من يحظى بلقب شخصية العام؟

تترقب الأوساط السياسية والإعلامية نهاية كل سنة، اسم الشخصية التي تختارها مجلة "تايم" الأميركية، لتحتل غلاف عددها الأخير في السنة بوصفها شخصية العام. تقليد "التايم" عريق، بدأته في العام 1927. في النسخة الأخيرة لهذا العام، كان الفائز بابا الفاتيكان، بعد منافسة مع عدة شخصيات، من بينها وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي. وفي سنوات سابقة، اختارت المجلة شخصيات خلافية، مثل أسامة بن لادن "2001"، ومن قبله بسنوات الإمام الخميني "1978". وسبق للمجلة أن اختارت شخصيات عربية في سنوات سابقة.اضافة اعلان
وسائل إعلام عديدة في العالم استنسخت تجربة المجلة الأميركية الشهيرة، خاصة الدول الأوروبية والهند وغيرها. لكن الفكرة لم تلق صدى في الدول العربية، باستثناءات محدودة، كلبنان مثلا، والذي تتسابق محطاته التلفزيونية على اختيار شخصية لهذا العام. وفي حملة التصويت لإحدى المحطات، تشتعل المنافسة حاليا بين أمين عام حزب الله حسن نصرالله، والقيادي السلفي المتشدد أحمد الأسير. كما يبرز اسم الفنان "السابق" فضل شاكر على رأس لائحة المتنافسين في محطة أخرى، بعدما صعد نجمه في عالم الإرهاب.
اللافت أن المتنافسين على الفوز باللقب هم، في الغالب، من طبقة السياسيين، مع أن شهرة الفنانين في معظم الدول تتجاوزهم بكثير. يعود ذلك بالطبع لطبيعية المعايير التي تضعها الجهة المنظمة للمسابقة؛ فمجلة "التايم" مثلا، تأخذ في الاعتبار عند ترشيح الأسماء، الأعمال الكبيرة التي ارتبطت بهم، ومدى حضورهم في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى إنجازاتهم، سواء كانوا علماء أو ساسة أو رياضيين.
أما لماذا لا تفكر وسائل إعلام عربية في تقليد مجلة "التايم" أو غيرها من وسائل الإعلام الغربية، فإن السبب المرجح هو خشيتها من أن يقع اختيار القراء على شخصية في المجتمع غير رئيس الدولة، ما يعني ضمنيا في الثقافة السياسية السائدة، أن هذه الشخصية أهم من الحاكم.
أمام وسائل الإعلام عدة خيارات لتجاوز هذا المحذور؛ كأن تستثني تماما فئة السياسيين من المنافسة، مع أن هذا الأمر يُضعف المنافسة، ويُعدّ تجاوزا على تقليد المسابقة العالمي. لكن حتى لو أخذنا بهذا الاقتراح، وقصرنا المنافسة على العلماء والرياضيين والفنانين وأصحاب العمل الخيري، فهل يتسامح الحكام؟ في بعض الدول العربية، سيبدو الأمر صعبا بعض الشيء؛ فالحكام فيها أصحاب مواهب متعددة، ولا يتنازلون عن الألقاب في كل الميادين.
الخيار الثاني، أن يُمنح اللقب أول مرة للحاكم، ثم يُفتح باب المنافسة للفئات الأخرى في السنوات التالية. لكن من قال إن هذا كاف ليرضى به الحكام؟ وكيف لمواطن عادي أن يحمل نفس اللقب الذي حمله من قبل رئيس البلاد؟!
لكن دعونا نأخذ الأمر بجدية أكبر. فالعالم العربي تغيّر كثيرا في السنوات القليلة الماضية؛ سقط رهط من الحكام الطغاة، ومع سقوطهم تبدلت مكانة الرؤساء في الحياة العامة، لا بل تراجعت هيبتهم مقارنة مع ما كانت عليه قبل ذلك. غير أن هذا التطور لا يعني أننا نسلك الطريق الصحيحة في بناء السلطة ومؤسساتها، أو في نظرتنا للحكام. ثمة حالة من الفوضى الشديدة في سائر أرجاء عالمنا العربي، واستقطاب سياسي ومذهبي حاد؛ فمن كان بالأمس رمزا وشخصية يُجمع عليها العرب من مختلف الطوائف، أصبح اليوم عنوانا للانقسام والخلاف.
لو تسنى للشعوب العربية اليوم أن تشارك في تصويت لاختيار شخصية العام العربية، لكانت النتيجة مفزعة. سنظهر كم نحن منقسمون، ولن نجد شخصية عربية واحدة تحظى بترشيح الأغلبية.
الأنسب في مثل هذه الحال، أن لا تُقْدِم وسائل الإعلام العربية على تقليد المجلة الأميركية، وأن تكتفي بمتابعة "التايم".