من يمنح ومن يحكِّم ومن يدفع؟!

 حديث الجوائز أشبه بالسير في حقل ألغام، بات من الصعب التمِّييز بين الغث والسمين، في كل يوم تطالعك أخبار ومفاجآت عن جوائز وأسماء تتوقف عندها لماذا هذا الاختيار. سيكون من الصعب تسمية الأشخاص والجهات فالموضوع محرج إلى درجة كبيرة لحساسيته. 

اضافة اعلان

 الكلام يحمل في دلالاته جملة من الأهداف، فالسياسة حاضرة كما المصالح والعلاقات وهو ما يعني ذلك الكم من المؤسسات التي باتت تمتهن صناعة تفريخ الجوائز من باب التكسب المالي والدعاية. 

فريدريك ميتران، وزير الثقافة الفرنسي الآن، منحوه جائزة في الثمانينيات وكان صاحب برامج تلفزيونية مميزة وهو ابن شقيق الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران وعندما صعد إلى المنصة باغت الحضور بكلام قاسٍ ولاذع وبما معناه، أنتم تضللون الرأي العام ولأن ما تنشره وسائل الإعلام عن الفساد والتنصت ونشاطات الرئيس السرية يدخل في باب الخداع ولذلك أعتذر عن عدم أخذ الجائزة ووضعها أمام الجمهور على الأرض ليغادر بعدها القاعة ويثير من حوله الجدل. 

موقف فريدريك ميتران لم يكن استثناء، فهناك حالات مشابهة؛ منها حالة صنع الله إبراهيم الروائي المصري الذي رفض جائزة ملتقى القاهرة الثاني للإبداع الروائي العربي عام 2003 متهماً الحكومة المصرية بالفساد والارتهان للسياسة الأميركية، الممثل الأميركي الشهير مارلون براندو الذي رفض جائزة الأوسكار بسبب سياسة الحكومة التي تنتهجها ضد الأقليات والهنود الحمر تحديداً وكذلك الشاعر البريطاني بنجامين زيفانا الذي لم يتوقف عند الرفض بل نشر مقالاً أعلن فيه غضبه عند سماع كلمة إمبراطورية لأنها تذكره بالرق وبالوحشية والقهر وخاطب توني بلير بوصفه رئيس للوزراء عام 2003 "تريد أن ترسلنا إلى الحرب وتلتزم الصمت حين ننتظر منك أن تتحدث باسمنا مفضلاً أن تكون صوتاً للولايات المتحدة". 

الجانب الآخر في مثل هذه المواقف يتمثل بتكريس فكرة أنه باستطاعة البعض تسجيل احتجاج على سياسة ما تخص الحكومة أو الجهة المانحة وهي مناسبة لا تعوَّض لأن وقعها أقوى تأثيراً وأشد وطأة على المانح وبالعربي الدارج يشكل "فضيحة سياسية" مكشوفة تزعزع ثقة الناس بها. وهو ما حصل مؤخراً مع الرئيس الأميركي أوباما عندما مُنح جائزة نوبل  اللسلام، واعتبرها النقاد الأميركيون مجرد  "مزحة خرقاء" انتقلت بالخطأ عبر مواقع الإنترنت. 

موضوع نوبل وجائزة السلام يدخل في صلب العمل السياسي البحت فالاختيار هنا يتم وفق معايير سياسية دولية تتوافق مع التوجهات الأميركية والغربية بشكل عام وتخدم تلك المصالح، فالسلام يبقى رهن باروميتر "الشرعية الدولية" وكلما اقترب هذا الزعيم أو ذلك من أجندة الإدارة الأميركية كانت حظوظه أكبر لنيله الجائزة وهذا ماحصل مع السادات وبيغن بعد توقيعهما اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979.

قليلة حالات التوقف عن منح الجوائز الشهيرة، فالعبرة تبقى بالالتزام بالمواعيد وإقامة المهرجانات  لعمل "SHOW" ولوازمه بصرف النظر عن جودة المعايير وآلية الاختيار؛ لكن رجل الأعمال السوداني محمد إبراهيم حجب "جائزته" لهذا العام أي في أكتوبر 2009 والبالغة قيمتها 5 ملايين دولار أميركي والمختصة بالأساس "لزعيم تختاره لجنتها انتخب ديمقراطياً وترك منصبه بعد إنهاء فترة ولايته" ولما لم يجد من تنطبق عليه تلك المواصفات اتخذ قرارا بحجبها وهو ما يعزز مصداقية الجائزة ويعطيها الثقة باختيارها طالما أن هدفها تكريس الواقع الديمقراطي بأنظمة الحكم الإفريقية. 

ماذا عن المحيط العربي؟ قد تكون دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر نشاطاً على مستوى منح الجوائز في العالم العربي، فإماراتها السبع، وتحديداً إمارتي دبي وأبوظبي، لا تهدأ طوال العام بمنح الجوائز وحفلات التكريم وتقليد الأوسمة والنياشين، وهذا قد يدخل في سياسة الـ Marketing والترويج، في إطار توجه عام يوظِّف إمكانيات الدولة في قطاع الدعاية والتسويق، والتنافس قائم بين مختلف الإمارات ويشمل مختلف الأنشطة وتتنوع ما بين محلية وإقليمية وعالمية.

ولم تتعرض هذه الظاهرة إلى نوع من الانتقاد أو التقييم بل كانت الشكوى "أن الرغبة بالوصول إلى العالمية تتحقق عبر تهميش شخصيات وهيئات محلية لا تقل تميزاً وعملاً دؤوباً عن شخصيات وهيئات خارجية"، وبذلك يتم إرسال رسالة خاطئة بحسب تعبير الكاتبة فاطمة الصايغ بأن الإمارات لا تملك المواهب المحلية التي تستحق الحصول على جوائز... ودعت الكاتبة إلى معرفة الخلل، هل هو في لجان التحكيم أم في الشهرة التي لا تتم إلا بالعبور نحو الشخصيات العالمية واستضافتها وتكريمها؟ 

الواقع أن موضوع الجوائز يطرح العديد من الأسئلة؛ من يمنح هذه الجوائز ووفقاً لأي معايير؟ وهل لجان التحكيم مؤهلة وتملك الخبرات وتقف على الحياد؟ ومن هم القائمون عليها، هويتهم، مصالحهم، إتجاهاتهم؟ إلى ما هنالك من الأسئلة تصلح لعمل أبحاث ودراسات جامعية علْيا نظراً لتضخم الظاهرة واستفحالها ليس فقط في دولة الإمارات بل في عموم المنطقة العربية وإن كان التميز والريادة تقتنصها هذه الدولة الفتية والنشطة. 

حين يكثر الجدل والنقاش حول كيفية منح الجوائز خاصة تلك المتصلة بالشأن الاقتصادي والإعلامي والثقافي يعني أن هناك خللا ما ودهشة ما، وهذا بخلاف الدهشة التي حصلت مع ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العظمى أثناء الحرب العالمية الثانية عندما أعلن عن فوزه بجائزة نوبل، اعتبر الناس في حينه أنها للسلام لكن الطامة الكبرى كانت حين عرف أنها في الأدب. وكان ذلك عام 1953 كما كتب عنها الناقد المصري سامح كريم بصحيفة الأهرام عام 2001. 

مصداقية الجوائز تبقى على المحك إذا ما كانت ذات مصلحة بالجانب الاقتصادي التي اختلط فيها الحابل بالنابل وصار كل من يملك مطبوعة اقتصادية يسارع إلى منح الجوائز وإقامة المهرجانات  والفولكلورات، فجوائز هذه المجلات غالباً، ترتبط بعلاقة تجارية وكلما اإرتفع حجم الإعلان الذي تحجزه في هذه المطبوعة زاد رصيدك بالجوائز على حد تعبير السيد عصام الصقر، نائب الرئيس التنفيذي في بنك الكويت الوطني، لأن الأمر في النهاية يتعلق بالشخص والمزاجية والمنفعة المالية المباشرة وليس بنظام مؤسسة وآلية واضحة ومعايير محددة تماماً.

الترضيات غالبا ما تتحكم في عملية الاختيار. ولذلك تهتز صورة الجائزة أمام الكاميرات على دوي التصفيق والتهليل والابتسامة العريضة لأن الفائز سينضم إلى قائمة المشاهير اللامعين وسيشار إليه من تلك اللحظة بالشخصية الفذة والمميزة وهو شعور تختلط فيه نوازع العظمة مع هزالة الاختيار. 

قد لا يكون الوقت بعيداً عن إعلان أحد الثقاة والميسورين رصد مبالغ مالية تقدم لمن يكشف الغش بالجوائز المعلنة وتكون بمثابة كشف الذمة للجهات المانحة والأسماء الفائزة وفق معايير ومواصفات موضوعية وحيادية هذا إن وجدت.

* مدير مركز القبس للدراسات والمعلومات