من يُوقف كرة النار اللعينة؟!

حينما تتشابك الأحداث، وتُفتح الملفات المركبة، ويغيب العقل -حينها- تتعقد الحلول، وتزداد الحيرة، ويكثر الهرج والمرج، ويكون لون الدم هو اللون الطاغي على الأماكن، وصوت الرصاص هو الصوت المدوي في زوايا البلاد، وسيارات الإسعاف والإطفاء هي الأبرز في الشوارع، وأطلال المنازل والبنايات هي الشاهد على حجم الدمار، وأشلاء الضحايا متناثرة في كل مكان. ومع ذلك، لا أحد من السياسيين يكترث لهذه الكوارث لأنها لا تعنيهم، وغالبيتهم لا يبالون لحجمها طالما هم في منأى عنها!اضافة اعلان
هذه الحيرة المترامية الأطراف، ومشاهد الجثث المتناثرة والدماء، وتغول المليشيات وعصابات الجريمة المنظمة، والرعب الرسمي وغير الرسمي، هي السمات الأبرز للساحة العراقية، التي فقدت أبسط مقومات الحياة حتى صارت بغداد الحبيبة، أسوأ عواصم الدنيا، بعد أن كانت مدينة السلام والحضارة.
ماذا نتوقع أن يكون شكل الحياة حينما تغيب الدولة، ويُعدم القانون، وتضيع الأمانة، ويموت الضمير، وتكون السيادة للأقوياء على الضعفاء، وللمجرمين على الشرفاء، ويتباهى القتلة والمجرمون بجرائمهم، بل إن بعض هؤلاء صاروا هم الزعماء، فهل نتوقع حياة وردية، أم حياة دموية؟!
غالبية السياسيين في العراق ينادون بضرورة وقف الإرهاب، وإنهاء الفساد، وسيادة القانون، ويلعنون الظلام والدمار، ولا ندري منْ الذي يُخرب ويُدمر، ويُشعل النيران، هل هم مخلوقات فضائية، أم أشباح جاؤوا من عالم الخيال لضربنا وتركنا نتباكى على الأطلال، أم هم "عراقيون" حاقدون على أهلهم؟!
في غالبية مدن العراق -ومع بزوغ الشمس- هناك انفجار يمزق الأشلاء، ورعب يملأ قلوب الأطفال والنساء، ودمار يلف المكان، وإرهاب خفي لا أحد يعرف مصدره، وكل يتهم الآخرين. والضحية الكبرى في هذا الرعب والإرهاب الخفي هي المواطن الضعيف الذي رضي بقدره أن يكون حياً بين الأموات، وميتاً بين الأحياء، ورضي لأولاده أن يكونوا في عالم مليء بالخوف، الذي يهز أرواحهم في كل صباح ومساء، كل ذلك في بلاد كرة النار، العراق.
اليوم كرة النار تتدحرج من شمال العراق لجنوبه، ومن جنوبه لشماله، ومن شرقه لغربه، ومن غربه لشرقه وجنوبه، وهي التي جعلت حياة غالبية العراقيين موزعة بين الاغتيالات والاعتقالات والسرطانات والملاذات الآمنة وغير الآمنة!
قتال الإرهاب المزعوم، جعل كرة النار تتدحرج في الاتجاهات كافة، لتحرق كل من يقف بطريقها، وصار الجلاد يرهب الناس باسم القانون!
كرة النار هي التي تهدد اليوم بحرب أهلية في مناطق التماس بين الأكراد والإيزيديين من جهة والعرب من جهة أخرى، وهي التي شجعت بعض ضعاف النفوس من الإيزيديين ليسرقوا كل ممتلكات العرب المهجرين في سنجار، وهي التي أعطت الضوء الأخضر لطائرات حكومة بغداد، والتحالف الدولي لطحن أطفال الفلوجة والموصل وكركوك، بحجة مقاتلة تنظيم "داعش"، وهي التي ترهب المواطنين عبر التفجيرات المستمرة في بغداد وديالى وغيرها من المدن، وهي ذات الكرة التي تحرق بها المليشيات الإجرامية قلوب أمهات العراقيين بعد تغييبهم لأبنائهن ورميهم بعد عدة أيام كجثث هامدة على قارعة الطريق!
كرة النار اللعينة هي التي سمحت لبعض المسؤولين الحكوميين أن يطالبوا بتحويل مليشيات الحشد الشعبي لقوة عسكرية مشابهة للحرس الثوري الإيراني، وهي التي جعلت العراقيين من أكثر شعوب العالم -بعد السوريين- طلباً للجوء؛ هرباً من المصير المجهول نحو المصير الأكثر جهلا!
لمصلحة منْ تستمر هذه النار التي تحرق الأخضر واليابس؟! ومنْ المستفيد من قتل المدنيين؟! وهل هذه الدماء ستذهب سدى، ولا أحد سيسأل عنها؟! وهل القتلة والمجرمون سيكونون في المنطقة الآمنة من دون أن يحاسبوا ويقدموا لمحاكم وطنية عادلة؟!
كرة النار المشتعلة في العراق لا يمكن إخمادها طالما أن هنالك من يضع الحطب على النار من تجار الحروب والأزمات، وبعض زعماء الأحزاب السياسية الطائفية التي ظاهرها الوطنية وباطنها الحقد والكراهية.
أوقفوا كرة النار قبل أن يُفتت العراق، وتأكله الذئاب، وتنهش لحمه الوحوش الضارية، وحينها لا ينفع الندم!