"مهرجان الفيلم العربي-عمان".. خيارات ذكية لأعمال لفتت أنظار العالم

بوستر "10 أيام من الزنقة" -(ارشيفية)
بوستر "10 أيام من الزنقة" -(ارشيفية)

إسراء الردايدة

عمان- في دورته التاسعة التي تنطلق اليوم، يواصل "مهرجان الفيلم العربي-عمان" تقديم أحدث الأعمال والإنتاجات العربية، من خلال انتقاءات ذكية متنوعة تطرح مختلف المدارس الإخراجية، وتتناول قصصا متنوعة لمخرجين شهدت أفلامهم حضورا كبيرا على مدار العام.اضافة اعلان
ومنذ بدايته، يحرص هذا المهرجان الذي تنظمه الهيئة الملكية للأفلام، ويحظى برعاية وزير الشباب والثقافة د. محمد أبو رمان، على أن تكون هذه الخيارات التي ذاع صيتها في مهرجانات دولية، متاحة دفعة واحدة وفي متناول الجمهور التواق لهذا الحدث كل عام، وهو الذي كان في بدايته يعقد فعالياته في شهر رمضان، ولكن بسبب ضيق الوقت تم نقله ليكون بعده منذ بضعة أعوام.
والأفلام التي اختيرت لهاذا العام منوعة في قصصها، وتعكس اهتمام "الهيئة الملكية" وجهدها في تعزيز ثقافة السينما لدى الجمهور المحلي، وتشجيع صناع السينما الأردنيين على التعلم من هذه الخبرات وسرد قصصهم، عبر توفير فرص تبادل ثقافي ولقاءات مع صناع هذه الأفلام، فضلا عن الترويج لصناعة الأفلام، ما يسهم في تعزيز التفكير النقدي ورفدهم بمختلف المدارس النقدية والإخراجية.
وتتنوع الأفلام العشرة بين روائي ووثائقي، لتحكي في معظمها عن الحروب، الحرية، الإرهاب، الحب، التاريخ، وتستمر العروض حتى 30 من الشهر الحالي. الافتتاح سيكون بالفيلم الفلسطيني "مفك" لمخرجه بسام الجرباوي، والذي يحكي عن تبعات الأسر على الأسير، ويعكس الجانب الإنساني والاجتماعي والنفسي لبطل الفيلم زياد، بعد أن اعتقل وعذب لـ15 عاما على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية، قبل أن يطلق سراحه، ليقربنا من واقعه ما بعد ذلك وكيف يحاول التأقلم من جديد، وهو الذي قضى أعواما طويلة بعيدا عن الحياة الطبيعية.
و"مفك" هو الفيلم الروائي الأول للمخرج بسام جرباوي، بعد فيلمه الروائي القصير "رؤوس دجاج" (2009) الفائز بجوائز عدة.
فيما البحث عن الأسباب والتقصي عن قضية المخطوفين وملفاتهم العالقة منذ انتهاء الحرب الأهيلة اللبنانية هو محور فيلم المخرج غسان حلواني "طرس، رحلة الصعود إلى المرئي"، من وحي تجربة شخصية عاشها لشخص قريب، محاولا في شريطه هذا أن ينبش الذاكرة، متسائلا عن أثر خروج الشخص المختفي من المحفوظ في الذاكرة إلى العلن، ومجاورة صورته مع صور الآخرين من المختفين والمخطوفين.
وتقدم هذه الأفلام طرحا جرئيا لقضايا عالقة في الذاكرة، أو جديدة وحتى مستمدة من الصراع، فتقدم بأسلوب إبداعي واقعا صعبا، وهو ما طرحه الفيلم اليمني "10 أيام قبل الزفة" للمخرج جمال عمر، وهو أول فيلم جماهيري في تاريخ اليمن.
الفيلم الذي لا يخلو من الكوميديا، يتناول كيف تلقي الحروب بظلالها على الناس، وتؤثر على حياتهم ومصائرهم التي تتغير، فالبعض يهرب من بلده وهنالك من يبقى، ويظهر ذلك من خلال قصة روماسنية لرشا ومأمون اللذين يحاولان إتمام مراسم زفافهما وسط معوقات كبيرة قبل الموعدة المحدد.
السينما هوية
من أفضل الخيارات الفيلم السوداني "أكاشا" لمخرجه حجوج كوكا الذي عرض في مهرجان فينسيا في العام الماضي، أعاد السينما السودانية للواجهة العالمية بعد اختفاء قارب 25 عاما. يحكي قصة حب استثنائية وساخرة في زمن الحرب الأهلية السودانية، فهو يسلط الضوء على المعاناة، والمقاومة، واستمرارية الحياة تحت الحرب بطريقة ذكية امتزجت فيها مجموعة من العناصر والمشاعر المتناقضة من خلال قالب كوميدي قلب الصور النمطية لأفلام الحروب.
ومن جبال النوبة، الواقعة في منطقة سودانية متقلبة، تم تصوير الفيلم بمشاركة البطلين "عدنان" و"عبسي"، في رحلة مطاردة كوميدية مع جيش المتمردين من جهة، وعشيقات "عدنان" السابقات من جهة ثانية، ثم حكم شيوخ القبائل، فيضطر الشابان إلى التنكر في ملابس نسائية ليتفاديا هذه المطاردات حتى يتمكن "عدنان" من استعادة سلاحه.
والمخرج كوكا الذي درس السينما في أميركا، عاد للسودان وصنع أفلاما مختلفة في بلد يعاني من الحروب وغياب الاستقرار. ويعد الفيلم قصة حب استثنائية وساخرة في زمن الحرب الأهلية السودانية، فهو يتحدث عن المعاناة، والمقاومة، واستمرارية الحياة تحت الحرب كما في فيلمه "على إيقاع الأنتونوف" (2014) الذي عرض لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، وحصد جائزة الجمهور ويحكي عن معاناة سكان منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق مع القصف بطائرات "انتونوف" روسية الصنع.
وتلعب الأفلام، خاصة بهذا المهرجان، دورا كبيرا في ترسيخ الهوية الثقافية العربية، وتقرب بين الشعوب وتروج لثقافاتها وتعد عاملا مؤثرا في تعريف الآخر بالصورة الحقيقية المعاشة وتغوص في عمق الحدث، تحلل وتفسر، والأهم تنمي وتعمق التفكير بطريقة مختلفة وأفق أوسع. السينما اليوم لم تعد وسيلة للتعبير فقط بل وسيلة للتغيير، ومن خلال هذه المهرجانات التي تحمل هوية محددة، تشكل شبكة ربط مع دول مختلفة في مجال واسع، وتحول اللقاءات المعرفية لتبادل في الخبرات ونقاشات نقدية وفنية ينتج عنها في الغالب أفكار وعصف ذهني لأعمال أخرى تولد في أعوام لاحقة، مشجعة الشباب الحالم المبدع المحلي على النهل من خبرات شهدت تفاعلا دوليا ليحذوا حذوها ويصنعوا قصصا أفضل.
كما هو الحال في الفيلم السعودي الروائي "المسافة صفر" لمخرجه عبد العزيز الشلاحي، الذي يرصد التحولات الفكرية التي شهدها المجتمع السعودي في الأعوام الأخيرة، وتدور أحداثه في الرياض عن ماجد ورفيقه الذي أودع في السجن بتهمة ضلوعه في الإرهاب. ويعرض سلسلة أحداث مر بها ماجد حينما افتتح استديو تصوير، في محاولة منه لإبعاد الشبهة عن انضمامه إلى إحدى الجماعات المتعصبة فكريا.
وفيما أوجه الحقيقة مختلفة، يأتي فيلم "عيار ناري" لمخرج كريم الشناوي ليطرح فلسفة فكرية واختلاف تفسيرها بقالب بوليسي، خاصة أن أحداث الفيلم تتشابك في جوانب مختلفة، وترتبط بأحداث "لاظوغلي" والاشتباكات التي حدثت حينها.
وفي الشريط الوثائقي الجزائري "كباش ورجال" لمخرجه كريم الصياد، يحكي بمرارة عن جيل كامل عالق في مأزق لا يقدر فيه على تحقيق أحلامه في بلدان المغرب العربي عموما وفي الجزائر تحديدا، متتبعا مسارات شابين يعملان في بيع الأكباش.
أما فيلم "فتوى" التونسي لمخرجه محمد بن محمود فيتطرق لباب الإرهاب، وكيف أن بعض العائلات تترك الأبناء فرائس سهلة للتنظيمات الإرهابية التي تمكنت من التأثير على الآلاف منهم.
ويحمل الفيلم المسؤولية كاملة إلى الأب والأم ويعتبرهما المسؤولين عما حدث لابنهما بسبب سفر الأب وبحثه عن المال، وانشغال الأم في العمل السياسي والابتعاد عن الأبناء وتركهم يسبحون وحدهم، لذلك تكون النهاية مأساوية؛ إذ إن الأب يلقى المصير نفسه (أي القتل) من قبل التنظيمات الإرهابية نفسها التي استقطبت الابن في البداية ثم أجهزت عليه.
ويركز الفيلم على مخاطر البعد النفسي في تنشئة الأبناء وينبه إلى الأخطار المحدقة بهم ومن أهمها التطرف والغلو والعنف.
ويختتم "مهرجان الفيلم العربي-عمان" فعالياته بالفيلم اللبناني "نار من نار" لمخرجه جورج هاشم، مستعيدا الحرب الأهلية اللبنانية مجددا، من خلال عودة مخرج لبناني يعيش في فرنسا ويلتقي بصديق قديم له، تدخل بينهما فتاة، ومن خلال قصتهما تظهر الحرب مرة أخرى مشعلة نيران مختلفة من الغيرة والصراع.
المهرجان يحمل هوية خاصة بكونه عربيا، يلتقط إنتاجات لافتة ولها جماهير كبيرة، مصنوعة بشغف وجرأة وخيال، تبحث عن مشاهد قادر على فهمها والشعور بها، هو ما تفعله السينما دوما.. نقل الإحساس والأفكار من بعد لآخر.

مشهد من فيلم "أكاشا"- (ارشيفية)
مشهد من فيلم - "عيار ناري" - (ارشيفية)