"مهرجان طوكيو الدولي" يحتضن المسرح العربي ويكسب الرهان!

"مهرجان طوكيو الدولي" يحتضن المسرح العربي ويكسب الرهان!
"مهرجان طوكيو الدولي" يحتضن المسرح العربي ويكسب الرهان!

طوكيو- "الجدار" هو عنوان أحدث أعمال "مسرح القصبة" الفلسطيني الذي قدّم عرضه العالمي الأوّل قبل أيّام في مسرح "بارك تاور هول" في العاصمة اليابانيّة، ضمن إطار "مهرجان طوكيو الدولي للمسرح". والمهرجان الذي يشرف عليه ساتشيو إيتشيمورا يخصّص، للسنة الثانية على التوالي، جزءاً أساسياً من برنامجه للمسرح العربي. وهذا الرهان الجريء يستحقّ التوقّف عنده ملياً، خصوصاً أن عمل المخرج الفلسطيني جورج إبراهيم الذي سبق له أن قدّم هنا قبل عام "حكايات تحت الاحتلال"، حقق إقبالاً واسعاً، وحاز احتفاء النقاد وتعاطف الجمهور·

اضافة اعلان


  حين قرّر "مهرجان طوكيو الدولي للمسرح" العام الماضي، ضمن إطار دورته العاشرة، أن يشرّع أبوابه للمسرح العربي، فاستضاف عروضاً لجورج إبراهيم، والكويتي مصطفى البسام والثنائي اللبناني ربيع مروّة - لينا صانع، لم يكن الأمر في غاية السهولة. أوّلاً بسبب الأفكار المسبقة التي سادت طويلاً في بعض أوساط المهرجانات الدوليّة، من أن الفنون المشهديّة العربيّة المعاصرة لا تستحقّ الاهتمام، لأنّها لم تصل إلى مستوى كاف من النضج الجمالي والتقني يخوّلها مواجهة جمهور عالمي... وهذا المنطق طالما جعل تظاهرات عالميّة مهمّة تقصر اهتمامها بالعالم العربي على الفولكلور والفنون التقليديّة, والسبب الثاني طبعاً هو غياب المحاور القادر على تسويق الأعمال المهمّة. فكثير من المؤسسات الثقافيّة الرسميّة في العالم العربي غير معنيّ بالترويج للأعمال الطليعيّة، ويفضّل عليها أسماء وتجارب يتمّ اختيارها تبعاً لاعتبارات فئويّة ومحسوبيات لا حصر لها.
  وهناك أخيراً العائق السياسي الذي اعترض مهرجان طوكيو في رهانه على المسرح العربي. وقد اختبره إيتشيمورا العام الماضي، حين واجه ضغوطاً ديبلوماسيّة قويّة لثنيه عن تقديم مسرحيّة فلسطينيّة تتناول الاحتلال الإسرائيلي. لكنّه أصرّ على اختياراته. وجاء "مسرح القصبة" إلى اليابان العام الماضي، ونال إعجاب الجمهور، وكان أن قررت إدارة مهرجان معاودة الكرّة معه هذه الدورة، بعد أن دخلت شريكاً في إنتاج العرض الجديد، كما توضح لنا شياكي سوما، المشرفة على القسم العربي من المهرجان.


مشهد من مسرحية "جنون".


  مسرحيّة "القصبة"، كسابقتها في طوكيو، تقوم على تقاطع القصص التي تحكي، في جوّ احتفالي يعيد الاعتبار إلى التراث، معاناة الناس من جرّاء قيام جدار الفصل العنصري على الأراضي الفلسطينيّة· وقد شارك الممثلون (أحمد أبو سلعوم، جميل السايح، حسام أبو عيشة، عمال الفراجين ومنال عوض···) في صوغ النص من خلال جلسات الارتجال·


  أما سينوغرافيا العمل فتحمل توقيع الفنان الياباني المعروف نوبورو تسوباكي الذي سافر إلى فلسطين وعمل مع الفرقة كأحد أفرادها. وقد انطلق تسوباكي، مع محترفه "راديكال دايلوغ برودجكت"، في مشروع مواز للعرض المسرحي، إذ خصص موقعاً على شبكة الإنترنت لمواطنين من مختلف أنحاء العالم، يخططون رسومهم وتصويراتهم عبر الإنترنت فوق ماكيت مصغّرة لجدار الفصل في فلسطين (على موقع: )، ثم يقوم المحترف الياباني بتنفيذها في الحجم الطبيعي، وتركيب أجزاء من الجدار ورسومه، لتسافر مع المسرحية في جولة عالمية.


  المسرحيّة العربيّة الثانية التي تشارك في طوكيو هذا العام هي "جنون" للمخرج التونسي الفاضل الجعايبي. وتدور المسرحيّة التي وضعت نصّها وتلعب بطولتها جليلة بكّار، حول الدور القمعي الذي تلعبه المؤسسة الأبويّة في حياة الأفراد، وفيها يواصل الجعايبي اختبار الأساليب الجماليّة القائمة على أسلبة العنف، ودفع حالات التوتّر إلى لحظة الذروة.


  يدور العمل، المستوحى من مرجع فرنسي بعنوان "يوميّات خطاب فصامي" للطبيبة النفسانيّة التونسيّة ناجية الزمني (منشورات لارماتان، باريس)، حول لقاء في مستشفى للأمراض النفسيّة، بين طبيبة أربعينيّة ومريضها الشاب العشريني المصاب بالفصام. يعيش الطرفان "صدمة حبّ علاجيّة" تستحيل رحلة اكتشاف للذات، عبر نزول بطيء إلى جحيم المهمشين والبوساء، الساعين إلى هروب يائس.


  يصوغ الجعايبي، كعادته، احتفالاً هاذياً، قائماً على القسوة والعنف والشاعريّة... ما يجعل المستشفى مجازاً للمجتمع التونسي والمجتمعات العربيّة، والمواجهة السادو - مازوشيّة بين الطبيبة (جليلة بكّار) والمريض (محمد علي بن جمعة)، محاكمة للبنى القمعيّة المتسلّطة التي تحاصر الفرد على امتداد العالم العربي. تشارك في التمثيل فاطمة بن سعيدان، والرقصات من تصميم نوال اسكندراني، أما السينوغرافيا فتحمل توقيع قيس رستم.