لا بأس أن تسأل نفسك هذا السؤال بين فترة وأخرى. ما الذي يلون حياتي؟ ما الذي يجلب لها اللون والبهجة والتميز؟
أو، باستطاعتك أن تلوي السؤال، وتطرحه مشاكسا وجريئا.. وربما مؤلما: لماذا لا يوجد لون في حياتي؟
ينبغي طرح هذه الأسئلة بين فترة وأخرى، لكي تستطيع أن تتبين إن كنت تعيش الحياة بحق، أم أنك تلهث خلف احتياجات يومية لا تستطيع تأمين نصفها، بينما أنت تستقبل النهار وتودعه من دون أن يكون لديك فسحة ما لكي تطلق هواجسك ورغباتك الدفينة وأمنياتك التي تموت بالتدريج!
ما الذي يلون حياتك؟ ما الذي يميزها ويجعلها غنية وثمينة، وتستحق أن تعيشها؟
هذه التساؤلات هي من النوع الصعب دائما، فهي تؤسس لمصارحات قد تجعلنا سعيدين حقا بما نمتلكه من أشخاص واشياء وعلاقات ونجاحات، وربما تودي بنا إلى حافة المجهول ونحن نقر بكامل إدراكنا بأننا لا نمتلك شيئا يمكن أن يغير مسار حياتنا المنحدر، أو أننا، وبغبائنا المزمن خسرنا جميع الشطوط التي يمكن لنا أن نريح تعبنا عليها.
دائما كانت ثمة فرص تنتظر استثمارها، أشخاص كان يجدر التمسك بهم، دروب فرعية كان من الضروري المضي بها لكي تتحول إلى شوارع رئيسة، لا أن نبقيها محفوظة على الرف إلى حين حاجة.
ينبغي أن نكون صريحين مع أنفسنا إلى حد الألم. ربما بهذه الطريقة فقط نستطيع أن نعالج اعتلالاتنا الذاتية، ونعالج أمراض القسوة واللااكتراث والتعالي التي سيطرت على حواسنا زمنا طويلا، وقادت خطواتنا إلى دروب لا نحبها.
الفقد بمعناه المطلق؛ الموت، انتهاء العلاقة، الرحيل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هي أمور تضعنا في مواجهة الذات.
ماذا لو كنا قصرنا مع أولئك الذين أدركهم الموت؟ كيف سنعوض ذلك، وإن كنا فعلنا، فكيف نخترع طريقا تقود إلى أن يسمعوا اعتذارنا، وكيف نقنعهم بقبوله؟
وأولئك الذين تركونا في منتصف الطريق، هل كان ذنبهم أن طريقنا بلا ملامح؟ هل كان ذنبهم أنه كان لدينا نزوع ذاتي للخطأ أكثر بكثير من تلك الخطوات الخجلى التي نقترفها خلسة تجاههم، لنؤكد لهم أننا إلى جانبهم؟
لنعترف بأننا معقدون أكثر مما ينبغي، وأننا صادقون وكاذبون بالمقدار نفسه! نحن مزيج من تناقضات كثيرة، نحاول جهدنا أن نزور “تآلفاتها” التي لا يمكن جمعها، ومع ذلك ندعي جزافا أنها متآلفة!
الفقد، بمعناه المطلق، يمثل ألما حقيقيا، ليس نفسيا فقط، بل جسديا مرئيا. سوف يظل يحفر عميقا بالنفس ويهدم جميع أركان استقرارها، ويحولنا من الثبات إلى الهشاشة التي لا يمكن لها التحامل على ذاتها للنهوض من جديد. إنها هشاشة الموت. هشاشة الانتهاء والانطفاء التي لا قيامة بعدها.
ربما، بهذا المعنى ننظر إلى تقصيرنا الذاتي. أو إلى أخطائنا التي اقترفناها ونحن نحاول أن نحمل الآخرين مسؤولية فشلنا وجبننا عن اتخاذ القرار المناسب، أو الموقف المناسب، أو نبين لهم على وجه الحقيقة ماذا يمثلون في حياتنا!!!
لا شيء يمكن استعادته الآن؛ لا أولئك الذين مضوا إلى الموت بهدوء، ولا من تركونا في منتصف الطريق لكي نواجه سؤال الحقيقة وحدنا، ولا حتى الذي يقفون معنا متشككين بقدرتنا الذاتية على مواصلة الطريق معهم!!!
هي أحجية كبيرة، صنعناها بقراراتنا واختياراتنا ومواقفنا، وعلينا أن نبلغ نهايتها وحيدين، مع اعتذارات كثيرة لكل من أسأنا إليهم.. أو خذلناهم. ربما يكون في ذلك بعض شجاعة… ربما!!
هو ليس اعتذارا تبريريا من أجل فتح صفحة جديدة، بل اعتذار لكي نمضي في طرقنا غير المتشابهة، وأن ننظر إلى انفسنا ببعض احترام. هو ليس تبريرا أبدا.. لكنه، بطريقة أو بأخرى، اعتراف بأننا لا نحتكر الحقيقة، ولا يمكن لنا أن نحتكرها، وكذلك أولئك الذين ذهبوا بعيدا، وتواروا عن المشهد.