مواجهة عربية-إسرائيلية "بالقطعة"

من المواجهات (الإسرائيلية-الإيرانية) عبر الحدود الفلسطينية المحتلة-السورية، إلى قطاع غزة، إلى هجمات المستوطنين في نابلس والقدس والخليل، والاحتجاجات الفلسطينية، فإنّ ما يجري هو مواجهة بالقطعة، هدفها فرض أمر واقع جديد، أو مواجهة هذا الأمر الواقع، فضلا عن جس النبض، والتأثير في ملفات محددة، وكثيراً ما يؤدي مثل هذا النهج إلى ما يعرف في العلاقات الدولية، بظاهرة "حافة الهاوية"، التي تؤدي لحرب شاملة، ولكن لا يبدو أنّ الأمر يتجه لذلك.اضافة اعلان
عندما أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة إسرائيلية في شباط (فبراير) الفائت، بدا لكثيرين أن قواعد اشتباك جديدة نشأت في شمال فلسطين المحتلة، وأنّ هناك وضعا جديدا، ربما يعني التصعيد، ولكنه قد يعني التهدئة (بمعنى الإحجام الإسرائيلي عن عمليات هناك)، لكن الأمر خفت وكاد أن يُنسى في التداول الإعلامي، إلى أن جاءت مواجهة (الثلاثاء-الخميس) الفائت. فبدأ الأمر بقصف إسرائيلي غرب العاصمة السورية، دمشق، أدى لقتل خمسة عشر شخصاً، منهم بحسب وكالات ومصادر أنباء، ثمانية إيرانيين، ثم تبع ذلك ليل الخميس قصف إسرائيلي في القنيطرة، جرى الرد عليه بقصف إيراني صاروخي للجولان المحتل، وأهداف إسرائيلية هناك، من دون خسائر بشرية أو مادية تذكر.
تذهب أغلب التقديرات، والمؤشرات، إلى أنّ الجانبين الإسرائيلي والإيراني ناهيك عن الأطراف السورية والروسية، لا تريد حربا شاملة أو واسعة. فالجانب الإسرائيلي الذي شاهد لسنوات بصمت تقريبا، (باستثناء التدخل الاستخباراتي ربما وضربات متفرقة)، الإيرانيين يعملون في سورية، وشاهد الروس يعملون بتنسيق معلن معهم، لحماية النظام، قرروا أنّه آن الأوان للتدخل بهدف التأثير في مشهد ما بعد الحرب، وتقليص الحضور الإيراني في سورية، ولفعل ذلك جرت اتصالات ومحاولات لتحريض موسكو على مواجهة الوجود الإيراني، وعلى الاستفراد بسورية، كما جرى توجيه رسالة علنية للرئيس السوري عبر الإعلام، فخاطب وزير الدفاع الإسرائيلي الرئيس السوري، بشار الأسد، داعياً إلى طرد الإيرانيين من سورية، وطرد قائد القوات الإيرانية هناك، قاسم سليماني و(فيلق القدس) من سورية. ولمح ليبرمان إلى أنه في حال خرجت إيران من سورية فسيتوقف الجيش الإسرائيلي عن القصف الذي ينفذه على المواقع والمطارات العسكرية كل فترة. في الوقت ذاته، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، في محادثة هاتفية مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الخميس "إن طهران لا تريد توترات جديدة في الشرق الأوسط".
ما تريد إسرائيل فعله هو تحقيق أفضل وضع عسكري ممكن على الجبهة السورية، وتقليص أو احتواء الوجود الإيراني هناك، وما يريده الإيرانيون ألاّ يعترض الإسرائيليون على هذا الوجود، وعدم الوصول لحالة يتلقون فيها الضربات الإسرائيلية بصمت، ولكن فكرة الحرب الأوسع مستبعدة، بما في ذلك سيناريو فتح جبهة، عبر حزب الله، من لبنان.
في غزة، أيضاً، حوّلت حركة "حماس" قواتها هناك إلى قوات دفاعية تماماً، ولم يعد وارداً شن هجمات، فالسلاح الفلسطيني هناك للردع وليس لعمليات هجومية للتحرير، وهذا بحد ذاته، عامل تهدئة. ولكن المسيرات الشعبية على الحدود، هي نهج مقاومة من نوع آخر، يراد له أن يكون سلمياً، على أنّ الجانب الإسرائيلي لا يريد تطور ثقافة وخطط مثل هذا النوع من المقاومة، فواجهته بدموية كبيرة. وما يحدث في غزة امتداد لهبات فلسطينية، كالتي حدثت في الضفة والقدس نهاية العام 2015، أو هبّة بوابات القدس في 2017، ولكن اللافت أنه في كل هذه الحالات، لا تؤدي المواجهة لردة فعل فلسطينية شاملة، شعبية، فلا يوجد قرار قيادي فلسطيني رسمي برد فعل موحد أو شامل، ولا يوجد قرار، أو قدرة، أيضاً مثلاً لدى "حماس" لتحريك جمهورها أو الشارع، بشكل واسع في الضفة الغربية، وخارج فلسطين، لتسيّر على سبيل المثال مسيرات بالزخم ذاته.
ما يحدث يؤكد استمرار الصراع، ولكن في الوقت ذاته ما يحدث عملية استنزاف، يراهن الإسرائيليون بقاء خسائرهم محدودة أثناءها، مقابل خسائر كبيرة للطرف الآخر، سياسياً ومادّياً، خصوصاً مع حالة الصمت أو الموافقة من أطراف عربية، ويثير هذا الرهان، التساؤل هل يمكن أن يواجه الإسرائيليون استراتيجيات توقع بهم خسائر سياسية أو مادية، خصوصاً فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية، أو حتى السياسات الرسمية الفلسطينية؟