مواطنون في مواجهة الإشاعة

"إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ". (سورة النور، 15)

اضافة اعلان

يتحمل المواطنون، بمن هم أفراد أو جماعات، مسؤولية أساسية في إبطال الإشاعات والتصدي لها، وبالطبع من دون أن تعفي هذه المسؤولية الحكومة والمؤسسات الإعلامية والعامة والاقتصادية من مسؤوليتها في بناء الثقة والكفاءة في تقديم المعلومات والسياسات والأفكار للرأي العام بوضوح وكفاءة عالية.

في هذه الشراكة سواء في المسؤولية أو في الفضاء العام حيث تحول المواطن إلى إعلامي يشارك في النشر والتفاعل؛ نحتاج جميعا إلى تطوير أنفسنا في المهارات المعرفية والتفكير النقدي والاستماع العميق للجدل على النحو الذي يساعدنا على الارتقاء بالفضاء العام ليكون مجالا لتحسين الأداء والرقابة والإصلاح، وليس مصدرا للتشتت والنزاع وفقدان الثقة وغياب البوصلة..

يفترض أن يقدم كل مواطن نفسه في شبكات التواصل باسمه الصريح وبصورته، فالفضاء العام ليس عملا سريا، وفي واجب المشاركة وضروراتها يجب أن يعرف أيضا صاحب كل وجهة نظر ليجري جدل واضح وعلني بين وجهات النظر والأفكار والمواقف والاتجاهات، فلا يمكن أن يدار الفضاء العام من خلال أشباح، يجب أن نعرف بعضنا بعضا ونحن نتبادل الآراء والمعارف أو نتجادل حول المواقف والأحداث والاتجاهات، وفي ذلك فإن المواطنين مدعوون أيضا إلى عدم الثقة بالمدونين المجهولين أو أصحاب الصفحات الراكدة والأسماء والاتجاهات الغامضة والملتبسة التي تكون غالبا خلايا نائمة، أو ميليشيات الكترونية للتأثير والتداول غير السليم للأفكار والمعلومات والأخبار، لكن عندما يعرف المواطنون المدونون بقدر معقول من الوضوح والعلنية فإنهم يكونون قادرين على التفاعل وتحمل المسؤولية، واكتساب المعرفة والمهارات التي تجعل العمل العام أكثر فاعلية وديمقراطية. لقد لاحظت أن ثلاثة أرباع الصفحات التي تصفحتها (وهي بالآلاف) تخلو من المساهمة الفعلية والتدوين والمشاركة، وبعضها بالطبع شخصية للتواصل مع الأصدقاء والأقارب والزملاء أو ليتمكن أصحابها من التصفح والقراءة من دون مشاركة، ولا بأس في ذلك؛ لكن يمكن بسهولة تمييز نسبة كبيرة جدا من هذه الصفحات بأنها ليست سوى منصة للمشاركة في الحملات المنظمة والتأثير، وبالطبع فإن من حق الأفراد والجماعات المشاركة والتأثير، ومن الطبيعي أن الشبكة تفيد الأكثر تنظيما والأكثر مالا، فهذه حقيقة يجب القبول بها، لكن يجب أن يرفض المواطنون والمشاركون جميع المساهمات والمشاركات مجهولة المصدر أو غامضة الهوية، فمن لا يقدر على تقديم ذاته بوضوح لا يستحق أن يستمع إليه أحد، ومن لا يستطيع تحمل مسؤولية موقفه ورأيه يجب أن يختار ما يمكنه تحمله بوضوح. ندرك بالطبع أن مواقف وآراء عدة تحمل أصحابها مسؤولية وتكاليف، لكننا أيضا ندرك ونقدر قبل خوض أي تجربة الثمن الذي ندفعه أو نكسبه، ويجب أن نكون مستعدين لذلك وبوضوح أيضا، وعلى أي حال فإن مجالات الإصلاح والمعارضة والتأثير والتأييد الممكنة والمتاحة من دون تبعات قانونية أو شخصية أو اجتماعية هي مجالات كثيرة جدا، وتكفي للعمل والتفاعل معها، ويمكن بتطويرها وتفعيلها أن تنشئ منظومة واسعة وشاملة للإصلاح والتأثير تتعدى فضاءها المباشر لتكون إصلاحا شاملا أو قريبا من ذلك. ليس مطلوبا من أحد أن يضحي أو يتحمل فوق طاقته، أو أن يلحق ضررا بنفسه ومن حوله، ويكفيه أن يشارك ويؤثر بالقدر الذي لا يضرّ بنفسه ومصالحه وعلاقاته، ويكفيه ألا يكون مباليا، فالمشاركة ابتداء هي الاهتمام والمعرفة والمتابعة للشأن العام، هكذا فقط يمكن أن يطور الجدل العام الانتخابات النيابية والنقابية والبلدية، وينشئ نخبا واتجاهات وأفكارا متعددة يعرفها المواطنون ويميزون بينها.