مواقع التواصل الاجتماعي تخترق الخصوصيات

باتت العلاقات الاجتماعية اليوم هشة ضعيفة تفتقر إلى الألفة القائمة على اللمسة الحانية والنظرات الصادقة- (أرشيفية)
باتت العلاقات الاجتماعية اليوم هشة ضعيفة تفتقر إلى الألفة القائمة على اللمسة الحانية والنظرات الصادقة- (أرشيفية)

ربى الرياحي

عمان-  استطاعت مواقع  التواصل الاجتماعي غزو عقولنا والاستئثار بأوقاتنا التي أصبحنا نهدرها دون الشعور ولو بقليل من المسؤولية، فنحن لا نرى منها إلا الجانب الإيجابي أما سلبياتها وأضرارها التي قد تتسبب في إيذائنا وإيذاء من حولنا فهي لا تعنينا أبدا كل ما يهمنا هو أن نملأ الفراغ الذي نعيشه ونكسب أكبر عدد ممكن من الأصدقاء سواء كانوا حقيقيين أم وهميين. اضافة اعلان
مواقع كثيرة سمحنا لها وببساطة أن تقتحم حياتنا لاعتقادنا الخاطئ بأنها ستتمكن من تقريب البعيد وتعميق الصلات التي أوشكت أن تنقطع بسبب بعد المسافات وزخم المشاغل اليومية التي لا تنتهي، صحيح قد يكون هذا هدفها الرئيسي الذي تسعى إلى تحقيقه لكن للأسف أحيانا نسيء لأنفسنا دون أن نشعر وذلك من خلال تعلقنا الشديد بها.
مبالغتنا في استخدام مثل هذه المواقع ستزيدنا بعدا وجفاء خاصة بين أفراد الأسرة الواحدة الذين تخلوا عن لغة الحوار واستبدلوها بطريقة أخرى ترضي أهواءهم وتتيح لهم فرصة التحدث مع أشخاص يشتركون معهم بنفس الأفكار والاهتمامات أشخاص لا يمكنهم رؤية ملامحهم الحقيقية، التي تختبئ خلف شاشات صغيرة كتبوا عليها مجموعة من الحروف التي تفتقد إلى الدفء صحيح، قد تكون اختزلت المسافات لكنها وسيلة خالية من مشاعر الحب والتصافح والحميمية التي لم نعد نشعر بها ربما لأننا اكتفينا بذلك التواصل الإلكتروني الذي أفقدنا متعة الاشتياق واللهفة لرؤية بعضنا البعض.
فقد باتت علاقاتنا الاجتماعية اليوم هشة ضعيفة تفتقر إلى الألفة القائمة على اللمسة الحانية والنظرات الصادقة والمحبة الحقيقية التي تعجز تلك الأجهزة الصماء عن توصيلها رغم نجاحها في تقريب أشخاص أبعدتهم المسافات اكتفاءنا بتبادل الرسائل القصيرة، جعلنا أبعد ما نكون عن أسرتنا وأقربائنا وأصدقائنا، الذين يحتاجون إلى وجودنا فعليا معهم دون حواجز لنشعرهم بكمية الحب الذي نكنّه لهم وبأنهم يشغلون جزءا كبيرا من تفكيرنا.
لذلك فمهم جدا أن ننتبه للفجوة الكبيرة التي أحدثتها هذه المواقع لنتمكن من تقليصها قبل فوات الأوان وانجرافنا المتهور غير المحسوب خلفها سيقودنا بالطبع إلى الشعور بالعزلة والوحدة فنحن ببساطة قد نستغني عن زياراتنا العائلية التي تهدف إلى جمع شملنا وتقوية علاقتنا ببعضنا بعضا فقط، لمجرد كسب أطول وقت ممكن باستطاعته أن يجعلنا على تواصل مع عالمنا الافتراضي الذي يشعرنا بالحرية، ويمنحنا فرصة للتعبير عما نريد هذا العالم الذي يتيح لنا فرصة الهروب من واقعنا لنصنع بأيدينا عالما يشبه أفكارنا وتطلعاتنا لدرجة أننا نختار أن ننطوي على ذواتنا لنعيش حياة غير تلك التي نعيشها حياة نرسم معالمها كما نشاء محاولين التحرر من هموم وأوجاع أثقلت كاهلنا متجاهلين أن ذلك ضرب من الخيال، وأنه من الصعب أن نفصل أنفسنا عن واقعنا مهما كان مؤلما وقاسيا.
إن انقيادنا الغريب غير المبرر لمثل هذه المواقع يجعلنا نستهين بمشاعر الآخرين ونستبيح خصوصياتهم رغما عنهم وكأنه حق مشروع نمنحه لأنفسنا، لا ندري أن استهتارنا بشؤونهم الخاصة واتخاذها سبيلا للضحك والتسلية قد يؤذيهم ويعرضهم للسخرية والاستهزاء فهناك من يتجرأ على اختراق بعض الأمور التي تعتبر أمورا شخصية ولا يحق لأحد الاطلاع عليها، كنشر صورة تخص صديقا أو قريبا دون الاكتراث بالأثر الذي قد يتركه هذا التصرف المزعج، الذي غالبا ما يكشف أسرارا نحاول إخفاءها عمن حولنا ربما لأننا نخشى ردود أفعالهم أو لتجنب المشاكل التي قد تنشأ بيننا، مسببة فتورا في علاقاتنا الاجتماعية التي باتت تحتاج إلى الدفء والتماسك.
أخطاء كثيرة نقع فيها أثناء استخدامنا لهذه المواقع التي أصبحت هي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن مشاعرنا، التي كثيرا ما ننثرها على تلك الصفحات دون وعي أو تفكير فقط لمجرد الكتابة لا يهمنا إن كانت حقيقية، المهم عندنا أن نبقى متواجدين على اتصال دائم بمن حولنا حتى لو اضطررنا لنشر أدق تفاصيل حياتنا، غير آبهين بالدور المهم الذي تلعبه هذه الوسائل في تعميق روح التواصل بين الأفراد جميعهم بغض النظر عن مستوياتهم واهتماماتهم.
تشويهنا المستمر للإيجابيات التي تقدمها هذه المواقع بات اليوم خطرا يهدد ترابطنا، والسبب في ذلك أننا لم نحسن استخدامها بالطريقة الصحيحة التي تخدم مصالحنا وتمنحنا مساحة كافية للتعبير عن آرائنا ضمن الحد الطبيعي، ودون الخوض بالخصوصيات التي هي ملك لنا لا تهم أحدا غيرنا عدم الإفراط في استخدامها هو الحل الوحيد الذي سيمكنها من تحقيق  هدفها على أكمل وجه.

[email protected]

alghadnews@