موقف الأردن الذكي من أزمة الرياض وطهران

حتى اللحظة، يتسم رد الفعل الأردني تجاه تطورات الأزمة بين الرياض وطهران، بالذكاء والحكمة، ومحاولة حماية مصالح الدولة الأردنية في المنطقة. ومن الواضح أن الأردن يتعامل مع هذه القضية بحرص وحنكة كبيرين، في ظل ظروف إقليمية معقدة، وتشابك في العلاقات بين دول تجمعها مصالح كثيرة وتفرقها خلافات كبيرة. العلاقات بين عمان والرياض هي علاقات استراتيجية مبنية على مصالح متبادلة وروابط تاريخية وأخرى جيوسياسية. وقد أكد الأردن للسعودية، في أكثر من مناسبة، أنه شريك استراتيجي وحليف دائم، وليس أدل على ذلك من دخول الأردن في التحالف العربي في اليمن الذي تقوده السعودية، على الرغم من أن الأولوية الأردنية هي القضاء على تنظيم "داعش" وأخواته من التنظيمات الإرهابية. إذ إن الأردن لم يشأ أن تلتقط الرياض أي إشارة تدل على تردد في الالتزام بالشراكة الاستراتيجية بين الدولتين. اضافة اعلان
الحقيقة أنه لا يمكن النظر إلى موقف الأردن من التفاعلات الأخيرة بين السعودية وطهران بمعزل عن التطورات في الملف السوري، حيث تمكنت الدولة الأردنية من بناء علاقات مهمة مع الدول التي تلعب أدوارا رئيسة في هذا الملف، بما في ذلك روسيا. وحصل الأردن على ثقة الجميع ليكون المسؤول عن صياغة قائمة المنظمات الإرهابية، والتي قد تكون الخطوة الأولى للوصول إلى تفاهمات حول الحل في سورية. لذلك، فإن موقف الأردن فيما يخص قضية السعودية وطهران كان يجب أن يأخذ في الحسبان هذه التطورات في العلاقات وخاصة مع روسيا، وكذلك العلاقات الاستراتيجية والتاريخية مع الرياض.
لتحقيق هذه المعادلة الصعبة، كان من الواضح أن مركز القرار اعتمد سياسة التدرج في اتخاذ موقف من الأزمة، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة. ولذلك، لم تبادر الحكومة إلى اتخاذ موقف فوري، لكن قام مجلس الأمة بشقيه (النواب والأعيان) بإصدار بيانات تلوم طهران على التدخل في شؤون دول الجوار. وهنا فإن الجهة الرسمية المخولة باتخاذ موقف لم تقم بذلك، بل تركته إلى المؤسسة البرلمانية في خطوة ذكية.
ولم يسارع الأردن إلى اتخاذ خطوات تصعيدية خطيرة ضد إيران؛ كقطع العلاقات الدبلوماسية أو سحب السفير الأردني أو طرد السفير الإيراني، كما فعلت دول أخرى. كما لم يصدر عن الجهة صاحبة الولاية العامة، وهي الحكومة، أي موقف بهذا الصدد، واكتفت الحكومة باستدعاء السفير الإيراني وتوجيه رسالة لطهران من خلاله، إضافة إلى رسالة واضحة للرياض بأن الأردن سيقف مع السعودية كما هو شأنه دائما. وهكذا اتخذ الأردن موقفا، لكنه حافظ على "خط رجعة"، يمكنه -كما هو متوقع- من لعب دور مستقبلي في هذه الأزمة.
حتى اللحظة، يمكن وصف السياسة الأردنية في هذه القضية بأنها سياسة ذكية؛ إذ لم نذهب بعيدا في اتخاذ موقف عدائي يمكن أن يؤثر على علاقتنا المتطورة بروسيا، الحليف الأهم لإيران؛ وفي الوقت ذاته لم نتراجع عن دعم السعودية كشريك تاريخي واستراتيجي. بل الأفضل أن الأردن مرشح للعب دور في كواليس التعامل مع هذه الأزمة في المستقبل القريب، ربما بالتعاون مع روسيا والولايات المتحدة.