موقف الحزب الديمقراطي الأميركي من إسرائيل

يمر الحزب الديمقراطي الاميركي بعملية تغير متدرجة بالنسبة لموقفه من اسرائيل. وبعد ان كان هذا الحزب يتخذ مواقف شبه عمياء في تأييده لاسرائيل، يدعمه في ذلك وقوف اكثر من ثمانين بالمائة من الناخبين الأميركيين اليهود الى جانب هذا الحزب. نشهد اليوم عملية تحول تدريجية تحاول الابتعاد عن المواقف الاسرائيلية المتطرفة، وبخاصة الابتعاد عن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو تطور لافت ما كان من الممكن الحلم به قبل سنوات قليلة. وقد وصل الامر في هذا التحول المتدرج الى اعلان عشرة من مرشحي الحزب للانتخابات الرئاسية العام القادم نيتهم عدم حضور المؤتمر السنوي لمنظمة الضغط اليهودية ايباك قبل يومين، بعد ان كان كبار أعضاء الحزب يتسابقون لإظهار حضورهم في السابق كسبا للأصوات اليهودية. ومن هؤلاء المرشحين الذين أعلنوا عدم نيتهم حضور المؤتمر أعضاء مجلس الشيوخ كاميلا هاريس وكريستين غيليبرد وإليزابيث وارن وبيرني ساندرز والنائب السابق بيتو أوروك وحاكم واشنطن جاي انسلي وغيرهم. اضافة اعلان
في الماضي، كانت هناك مدرستان سياسيتان أميركيتان تحكمان العلاقة مع اسرائيل، مدرسة تساند اسرائيل بشكل شبه اعمى بغض النظر عن اي سياسة اسرائيلية، تقابلها مدرسة "عقلانية" تحاول ايجاد نوع من التوازن مع العلاقات الاميركية العربية. وكان من أنصار المدرسة الثانية بعض كبار أعضاء مجلسي النواب والشيوخ أمثال وليم فولبرايت وفرانك تشيرش ولي هامليتون وريتشارد لوغر وغيرهم. ثم انقرضت هذه المدرسة تدريجيا، حتى بات التأييد الأعمى لاسرائيل خاصة في الكونغرس لا يقتصر على حزب بذاته او مدرسة فكرية معينة. واصبح الاتجاه اليميني المحافظ الذي سيطر على الحزب الجمهوري منذ ما يقرب من الثلاثين عاما ممتدا ليشمل تأييدا مغاليا في شدته نحو اسرائيل حتى سبقت مواقف الحزب الجمهوري في تأييدها تلك من الحزب الديمقراطي.
لكن التأييد الأعمى لاسرائيل، خاصة لدى ابناء الجيل الجديد من الاميركيين، بدأ بالتخلخل بعد ان اصبح واضحا لهذا الجيل عدم اتساق مبادئه بشكل عام مع السياسات الاسرائيلية. واذكر حين كنت ادرس مادة عن الصراع العربي الاسرائيلي في جامعة ييل العريقة قبل تسع سنوات ان سألت بعض التلاميذ الأميركيين اليهود ماذا يدفعهم لأخذ مادة عن الصراع يعلمها أستاذ عربي، وكان الجواب مفاجئا لي في حينه، اذ قال لي معظمهم انهم نشؤوا في بيئة تنظر لاسرائيل على انها في صلب تكوينهم منذ الصغر، وكانوا ينظرون لهذا الصراع من وجهة نظر واحدة فقط، حتى اذا كبروا واصبحوا غير مرتاحين لدولة تُمارس الاحتلال والتمييز ضد شعب آخر، شعروا بضرورة سماع وجهة النظر الاخرى. كما أضافوا ان الجيل الجديد من الأميركيين اليهود لم يعد ينظر لاسرائيل على أساس انها في صلب تكوينهم، ولم تعد تعني لهم ما كانت تعنيه لوالديهم.
لقد بدأنا نشعر بهذا التحول داخل المجتمع الاميركي اليوم. وهناك قلق اسرائيلي متزايد يتعدى مواقف النائبتين الديمقراطيتين رشيدة طالب والهان عمر ليشمل اليوم مواقف عدد كبير من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين المعارضة لقانون حظر التعامل مع الشركات الاميركية الملتزمة بحملة BDS ضد المنتجات الاسرائيلية، وان كان بحجة تعرض هذا القانون لحرية الرأي والمعتقد. ما كان من الممكن قبل عدة سنوات لأي من أعضاء الحزب اتخاذ موقف معاد لاسرائيل تحت اي مسوغ بدون التعرض لخطورة السقوط في الانتخابات.
من الضرورة متابعة هذه التحولات التي تجري داخل المجتمع الاميركي و داخل الحزب الديمقراطي، وعدم تجاهلها بحجة ان اميركا بكاملها تقف مع اسرائيل دون تمييز. هناك تحول يجب رصده في عالم السياسة، خاصة وان استطلاعات مؤسسة غالوب الاخيرة تظهر ان التأييد لاسرائيل بين الديمقراطيين الليبراليين الأميركيين وصل لأدنى مستوياته.