موقف عربي مخجل من ليبيا

الموقف العربي الجمعي والفردي لمعظم الدول العربية من تداعيات الأحداث في ليبيا يعّد الدليل الأوضح لانهيار منظومة العمل العربي المشترك، وتجسيدا عمليا لازدواجية المواقف العربية؛ تلك هي نفس الازدواجية التي طالما اعتبرناها نقيصة من نقائص المجتمع الدولي وأعبناه بسببها، خاصة في تعامله مع الصراع العربي-الإسرائيلي. اضافة اعلان
وبقدر ما ارتفعت قيمة الإنسان العربي بعيون العالم، بحسب استطلاعات رأي علمية، بعد موجات المطالبة بالإصلاح التي تجتاح الوطن العربي، بقدر أنّ فشل الدول العربية في التصرف بمصداقية وبوجه واحد حيال الأوضاع في ليبيا، ومن قبلها دارفور، قد شوّه الانطباع العام السائد عن الإقليم الذي بدا انتهازيا إلى أقصى الحدود. العالم لا يفهم ولا نحن شعوب الإقليم لماذا نقول إننا مع الشعب الليبي في كفاحه للنجاة بحياته والتحرر ولا نتخذ خطوات ملموسة لمساندته كل بحسب قدرته. والعالم لا شك ما يزال يتذكر كيف تلكأ العرب في التعامل مع التطهير العرقي في دارفور، إلى أن بدأ الحديث عن تدخل دولي هناك، لينصب غضب العرب على هذا التدخل، متناسين مأساة دارفور وغير آبهين بتقديم بديل سياسي أو لوجستي لإيقاف ما كان يحدث هناك.
ما يحدث في ليبيا ليس تدخلا دوليا سافرا في شؤون ذلك البلد، ولا هو محاولة للسيطرة على موارده، والدول والشعوب العربية تعي ذلك تماما، فلو كان التدخل الدولي لهذه الغايات لكان من الأفضل الإبقاء على القذافي. ما يحدث في ليبيا هو حق شعب في حكم نفسه والتخلص من سلطة قمعية تريد إبادته، لذلك فمن الصعوبة بمكان تفسير موقف الدول العربية.
حسابات الدول العربية قد تكون أكثر تعقيدا من مجرد الحساسية للبعد الإنساني فيما يحدث في ليبيا، وربما أن مواقفها تتمحور حول رغبتها في أن يكون القذافي آخر الساقطين من الحكم. لذلك، فهي من جهة تقر بوجوب رحيله، ولكنها في ذات الوقت تريد أن يكون لذلك تكلفة تصعّب الإطاحة بغيره. هذا منهج واقعي براغماتي بحت، وقد يكون مقبولا في أدبيات التعامل السياسي بين الدول، ولكنه في الحالة الليبية التي أخذت منحى إنسانيا استثنائيا يعد أمرا غير أخلاقي ومفرط في انتهازيته. ولأمانة التحليل الموضوعي أقول إنه وبقدر ما كنت ممن ينتقدون السياسة الخارجية القطرية في عديد من الملفات، إلا أنني أعتقد أن موقفها من دارفور وليبيا يعتبر بنّاء، وربما الأكثر مصداقية وإيجابية وقبولا من لدن المجتمع الدولي.
موقف الدول العربية مما يحدث في ليبيا معيب ومنتقص من مصداقيتها، ولا أعتقد أنها بعد هذا الموقف ستمتلك أي مصداقية للحديث عن ازدواجية تعامل العالم مع الصراع العربي-الإسرائيلي، ولا أعتقد أيضا أنها ستكون قادرة على إيقاف أي تدخل دولي في الإقليم، فذلك سيستمر ما دام الإقليم منهارا لا يقوى على التعامل مع مشاكله بذاته، وما دامت دوله ترفض تحمل مسؤولياتها الإقليمية، وأن تشمّر عن زنودها لإصلاح قضاياه العالقة.