"مو صلاح"

طارق الحموري

لستُ من عشاق أو متابعي كرة القدم ولا من العارفين بأسماء الفرق الرياضية والفوارق بينها، بل إنني أعتذر عن أغلب اللقاءات التي يتخللها حضور مباريات، فهي لا تستهويني. وفي المرات النادرة التي أضطر فيها لحضور مباراة لكرة القدم، يشعرني أصدقائي بعميق جهلي عند سؤالي عن اسم الفريق الذي يلعب فيه ميسي أو رونالدو، أو عند سؤالي عن أي من الفريقين هو برشلونة أو ريال مدريد.اضافة اعلان
ومع هذا كله وجدتني في الأسابيع الماضية أتابع أخبار اللاعب المصري محمد صلاح، فقد وجدت أكثر من أقابلهم يتحدث عنه، وأصبح اسمه وأخباره في كثير من الأحيان جزءا من موجز أخبار قنوات عالمية مثل السي إن إن والبي بي سي. وقد أصبح محمد صلاح من أشهر مشاهير بريطانيا العظمى، وقاموا بتأليف أغنية لـ "مو صلاح" كما يسمونه، وقد أخذت تتردد هذه الاغنية على كل لسان في بريطانيا. وأصبح تحليل طباعه من استقامة وتواضع وطيبة وغيرها موضوعا تتناقله الاخبار كما الإذاعات. وزادت مفاجأتي عندما شاهدت أطفال بريطانيا يسجدون في الملاعب، مقلدين سجود الشكر الذي يقوم به محمد صلاح في مبارياته، فقد أصبح قدوة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
مع مزيد الأسف، لقد أصبح وصف عربي أو مسلم في أوروبا وأميركا في السنوات العشر الماضية مقروناً، في كثير من الأحيان، بالإرهاب أو التطرف أو التخلف. وقد نشر العديد من الصحف الغربية وعلى مر السنين رسوما كاريكاتورية للعرب أو للمسلمين وهم يحملون الأسلحة أو يقتتلون بين بعضهم أو يقتلون الأطفال ويسيئون معاملة النساء ويرتعون في التخلف والهمجية، حتى غدونا نشعر أن هذه الصور أو بعضها أضحت في ذهن الكثير من الغربيين هي الصورة النمطية للعربي أو المسلم.
 ولمعالجة هذا الأمر، أنفق العرب والمسلمون في الغرب ملايين لا حصر لها، إن لم تكن مليارات، لتوضيح عدم صحة هذه الصورة، وأنفق السياسيون العرب والمسلمون وقتاً، يستعصي مجموعه على الحصر، للقيام بذات الأمر. كما قامت جموع غفيرة من علمائنا الأجلاء بجهود عظيمة وأسفار وندوات ومحاضرات لا تعد ولا تحصى لنشر تعاليم الإسلام السمحة في الغرب، ولتصحيح الصورة النمطية المغلوطة عن العرب والمسلمين.
ومع عدم التقليل بجميع ما قام به إعلاميونا وسياسيونا وعلماؤنا الأجلاء من جهود هامة، فقد شعرت أن ما قام به محمد صلاح قد يكون، من حيث النتيجة، أكثر نجاعة في رسم صورة صحيحة في الغرب، للعربي المسلم الراقي في أخلاقه وتعامله، المسالم والحضاري في حديثه. محمد صلاح شاب في مقتبل العمر، حباه الله بموهبة رياضية كبيرة أثرت في كثير من الناس، وحقق إنجازا حضارياً وسياسيا بتغيير الصورة النمطية للعربي المسلم في أذهان الكثير من الغربيين، في الوقت الذي لم يقدر على تحقيق هذا الإنجاز الكثير من السياسيين والإعلاميين.
أدعو الله أن نرى آخرين من الرياضيين والمبدعين العرب والمسلمين يساهمون في التغيير كما محمد صلاح.