مَن سيحكُم الشمال؟ الأكراد يؤسسون دولة لهم في شمال سورية

Untitled-1
Untitled-1
ترجمة: علاء الدين أبو زينة تقرير خاص – (الإيكونوميست) 23/5/2019 كوباني، والرقة - للأكراد تسميتهم الخاصة التي يطلقونها على شمال سورية: "روجافا"، التي تعني "حيث تغرب الشمس". وقد بدا ذلك مناسباً لعقود. فقد دفعهم القوميون العرب إلى خارج مناطقهم وقمعوا لغتهم. ثم جاءهم بعد ذلك جهاديو "داعش". وأدت الحرب معهم إلى تهديم مدن بأكملها. لكن هذه المدن تنهض الآن مرة أخرى مع هزيمة "داعش". وقد أصبحت إحدى أكبر هذه المدن، كوباني، أكبر وأطوال من السابق. وهي تضم نصباً شاهقاً للحرب وتستضيف معرضها الفني الثاني. ويقول بريفان حموش، الرسام المتخصص بالمشاهد الطبيعية: "لقد نلنا ما يكفي من الألم". على مدار الحرب الأهلية متعددة الأطراف في سورية، والتي بدأت في العام 2011، استولى الأكراد على ثلث مساحة البلاد. وفي العام 2016، أعلنوا عن إقامة منطقتهم الخاصة المتمتعة بالحكم الذاتي في "روجافا"، والتي تحتوي على معظم حقول النفط السورية، وأعلى سدود البلد، وسلة خبزه. وتمر طرق التجارة القديمة قدم طريق الحرير عبر المنطقة. ولا شك في أن هذه الأرض القيِّمة تشكل نعمة لإدارة "روجافا" التي يقودها الأكراد. لكنها تجذب الكثير من الأعداء أيضاً. وبينما يعيدون بناء منطقتهم، يواجه الأكراد التهديدات، من الداخل والخارج على حد سواء. ويخشى الكثيرون منهم أن يكون تخلي أقوى حلفائهم، أميركا، عنهم على بعد تغريدة "تويتر" فحسب. في الوقت الحالي، تبدو الأمور مشرقة. ففي حين يعيق القتال والعقوبات والافتقار إلى الأموال إعادة الإعمار في معظم أنحاء سورية، تصطف الشاحنات المحملة بالحفارات والإسمنت في طابور طويل على حدود "روجافا" مع العراق. وتذرع قوافل ناقلات البترول الطرق السريعة المؤدية إلى دمشق. وتقوم وكالات الإغاثة الممولة من الغرب بإصلاح البنية التحتية والمستشفيات والمدارس في المنطقة. وما يزال البرلمان، الذي تم تشكيله في أيلول (سبتمبر)، يجتمع في مبنى مدرسة ثانوية. لكن هذا يعني أيضاً أن بالوسع الوصول إلى السياسيين بيسر. وقد حظي هذا الكاتب بلقاء مع رئيسي الحكومة ببساطة بمجرد طرق باب مكتبهما. عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية، فإن قادة "روجافا" متقدمون إلى حد ما مقارنة مع قادة الشرق الأوسط الآخرين. فتعدد الزوجات محظور. ويتشارك رجل وامرأة قيادة كل منصب في الحكومة. وتدير امرأة مدينة الرقة التي كان "داعش" قد أعلنها ذات يوم عاصمة له. وترتدي عدد قليل من النساء المسؤولات، إن وجدن، الحجاب. ومع أن الأكراد مسلمون، فإنهم يبدون مسترخين بوضوح حول هذا الموضوع -فهم يشربون ويدخنون علانية خلال صيام رمضان. ويُعتبر الإيمان لديهم مسألة خاصة. ومما يسر الإنجيليين في أميركا أن كنيسة جديدة قد افتتحت في كوباني للعدد المتزايد من المتحولين إلى اعتناق المسيحية. لكن حكام "روجافا" الجدد يدينون بقوتهم للجان الثورية المدججة بالسلاح، وليس لصندوق الاقتراع. وقد خرجوا من حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من شمال العراق مقراً له، والذي تعتبره العديد من البلدان مجموعة إرهابية. وتنطوي "روجافا" على سمات دولة الحزب الواحد القمعية. فالاحتجاجات تخضع للرقابة، وأحزاب المعارضة تتعرض للمضايقة. ويقول المسؤولون إنهم أفضل من نظام بشار الأسد، الديكتاتور السوري، أو المتمردين الذين قاتلوهم –وهو معيار منخفض بشكل بائس. ويقول صحفي كردي فر إلى الخارج: "إنه نظام شمولي استبدادي آخر". تجعل التركيبة السكانية لـ"روجافا" الحكم فيها صعباً. ويُعتقد أن هناك ما بين 500.000 إلى مليون كردي في المنطقة، مقارنة بما لا يقل عن 1.5 مليون عربي. ولذلك حاول المسؤولون الأكراد توسيع نطاق جاذبيتهم. وقاموا في أيلول (سبتمبر) باستبدال اسم "روجافا" بالاسم الأكثر شمولاً، وإنما الأكثر طولاً: "الإدارة المستقلة لشمال وشرق سورية". كما قاموا بنقل العاصمة الإدارية من القامشلي، وهي مدينة كردية، إلى عين عيسى، وهي بلدة عربية رتيبة. وتم تعيين عرب في العديد من المناصب العليا في الحكومة. ويقول بولاط كان، القائد في قوات سورية الديمقراطية، التي تشكل الجيش المحلي: "إننا نسعى إلى اتحاد جغرافي، وليس إلى اتحاد عرقي". ويتكون نصف جنود السيد كان من العرب. مع ذلك، يشعر العرب في "روجافا" بغربة متزايدة. فالقوات الكردية المعروفة باسم وحدات حماية الشعب، هي التي تقود قوات سورية الديمقراطية. ويسأل الحراس الزوار في قاعدة عسكرية: "كردي أم عربي"؟ ويدَّعي الشيوخ العرب بأن الأكراد استولوا على أراضيهم وبأنهم يفرضون عليهم عاداتهم. ويقول أحدهم بغضب، وهو الذي يعتبر الاختلاط بين الجنسين غير مناسب: "إنهم يريدون منا أن نجلب زوجاتنا إلى الاجتماعات القبلية". ويتحدث البعض عن "الاحتلال" الكردي. وقام متظاهرون بالقرب من آبار دير الزور النفطية بإغلاق الطريق إليها بإشعال إطارات السيارات. وكانوا يهتفون: "الأكراد سرقوا نفطنا". تشتغل تركيا في الشمال وحكومة الأسد في الجنوب على هذه الخلافات. وقد عقد كل منهما اجتماعات قبلية في محاولة لكسب العرب في "روجافا". وتريد تركيا إقامة منطقة عازلة على حدودها الجنوبية، والتي قد تحتوي على مدن كردية. وتقول أن "روجافا" تقدم لحزب العمال الكردستاني قاعدة خلفية لمواصلة حربه التي استمرت 40 عاماً ضد الحكومة التركية. وإلى الغرب من منبج، تصوب الدبابات التركية أبراجها نحو المواقع الكردية. وليس لدى الأكراد سلاح جو ولديهم القليل من الأسلحة الثقيلة. وهم ليسوا نداً للجيش التركي. كما لا يمكنهم أن يتحدوا جيش الأسد الذي يقول إنه يريد استعادة كل سورية. وهو يركز حالياً على إدلب، آخر معقل للمتمردين. وكان الأسد قد سحب قواته في ذروة الحرب من الشمال للدفاع عن دمشق؛ ولم يكن الأكراد قد قاتلوها. لكن النظام ما يزال يملك بعض النفوذ في "روجافا". فهو يدير شبكة الهاتف المحمول ويشرف على العديد من المحاكم والمدارس هناك. وفي المطار المدني الوحيد في المنطقة، الذي يسيطر عليه النظام، تنتشر صور الرئيس السوري في كل مكان، ويخاطر المسافرون الذين يعملون مع "الإدارة المستقلة لشمال وشرق سورية" بالتعرض للاعتقال. وهناك اقتراح من روسيا، التي تدعم السيد الأسد، والذي يقضي بعودة الجيش السوري إلى "روجافا" وتحويل القوات الكردية إلى شرطة محلية. في الأثناء، ما يزال التهديد يحوم في الأفق. فقد أقام الجهاديون نقاط تفتيش مرتجلة على الطرق السريعة. ولم ينجح الحظر المفروض على الدراجات النارية في الرقة التي مزقتها الحرب في الحد من الهجمات التي تُشن على البنية التحتية إلا جزئياً. ويصف المسؤولون المعسكرات المزدحمة بالعرب النازحين والساخطين بأنها حاضنات محتملة للجهادية. وتواصل العديد من النساء في المنطقة، اللواتي ما يزلن يخفن من "داعش"، ارتداء النقاب. يشعر الأكراد بالاطئمنان بوجود أميركا. وينتشر حوالي 2.000 من القوات الأميركية في جميع أنحاء المنطقة. وتئز طائراتها الحربية في السماء ويردع جنودها الأتراك. ويبدو أن الرئيس دونالد ترامب قد تراجع عن تغريدة كان قد أرسلها في كانون الأول (ديسمبر)، والتي أمر فيها بانسحاب قوات بلاده من سورية. لكن عدم اليقين بشأن نوايا أميركا يعقِّد الحياة بالنسبة للأكراد. وقد وجدت الإدارة المحلية أن من الصعب تجنيد العرب والاحتفاظ بولائهم. بل إن الأكراد أخذوا يتحوطون في رهاناتهم. وقد ذهب قادة "روجافا" مؤخراً إلى دمشق لإجراء محادثات مع رئيس مخابرات الأسد. كما حثهم مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، على "مراعاة الحساسيات التركية". يطمح الزعماء الأكراد في سورية إلى أن يكونوا حليف أميركا الدائم، مثل الأكراد المجاورين في العراق. لكن "روجافا"، على عكس المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في العراق، تفتقر إلى اعتراف من الأمم المتحدة. ويقول معلِّم في القامشلي: "إنك لا تعرفُ كم ستستمر. إنك تشعر بأنها مبنية على الرمال." *نشر هذا التقرير تحت عنوان: Who will rule the north?: The Kurds are creating a state of their own in northern Syria [email protected]اضافة اعلان