مُصالحة موصالحة

جولة جديدة من مباحثات المصالحة تعقدها اليوم في القاهرة قيادات حركتي فتح وحماس، لعل وعسى يتقدم اتفاق المصالحة خطوة إلى الأمام، ويتجاوز الطرفان معضلة رئيس الحكومة بعد إصرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس على سلام فياض، فيما تعتبر حماس أن فياض على اللائحة السوداء ولا يمكن قبوله، مع أن فياض أعلن أكثر من مرة أنه لن يكون حجر عثرة في تنفيذ اتفاق المصالحة. اضافة اعلان
لقاء القاهرة سيركز على ملفات منظمة التحرير والمعتقلين ومعالجة آثار الانقسام وباقي العناوين الواردة في اتفاق المصالحة، وتكريس الأجواء الإيجابية في الساحة الفلسطينية التي أوجدها اتفاق المصالحة، ومتابعتها بتفعيل ملفات المصالحة الأخرى، وعدم تعطيلها بتعثر تشكيل الحكومة، لأن المصالحة -بحسب حماس- أوسع من مسألة تشكيل الحكومة، رغم أهميتها وضرورة الإسراع بتشكيلها.
وفي اجتماع المجلس المركزي الأخير كال عدد واسع من المتحدثين المديح لاحتفال توقيع اتفاق 4 أيار (مايو) بالقاهرة، وأهمية التمسك بالاتفاق والمصالحة الوطنية بتجاوز حالة الانقسام، ولم تخف التباينات الحادة في تشخيص أسباب تعطيل المصالحة وتنفيذ الاتفاق، وعبرت كلمة الرئيس عباس أمام المجلس بوضوح عن حدود التقدم الممكن بتحريك ملف المصالحة "حتى لا يتعطل الاتفاق كلياً"، وأن حدود التقدم في هذا المجال لا تتجاوز التالي: "التوافق على الذهاب إلى الانتخابات المحلية، تيسير العمل على معبر رفح بصورة أفضل، حل موضوع جوازات السفر، تفعيل لجنة منظمة التحرير، دعوة لجنة الإشراف والمتابعة العربية لمعالجة الاستعصاءات أمام تنفيذ الاتفاق". في حين جرى القفز عن أهمية العامل الذاتي الفلسطيني، والحديث عن دور الفصائل والشخصيات الموقعة على الاتفاق في وضع ومتابعة آليات التنفيذ وصولاً إلى الانتخابات الشاملة.
لم يظهر عباس أنه على عجلة من أمره لإنجاز اتفاق المصالحة مع "حماس"، ولم يظهر تبرمه المعتاد من حالة الانقسام التي بقيت على ما هي عليه، وإن كان قد أبدى استعداده للمزيد من الحوار (بدون سقف زمني) مع "حماس" للاتفاق على تفاصيل المصالحة، بعد أن حقق عباس من توقيع الورقة المصرية ما كان يصبو إليه، أي الاعتراف به مجدداً رئيساً شرعياً على رأس المؤسسة الفلسطينية، أما الاتفاق على فياض رئيساً للحكومة الجديدة فلا يعتبره عباس أمراً ضاغطاً ما دام فياض هو الرئيس للحكومة الحالية، وبذلك يكون عباس قد لعب ورقته الرابحة في المصالحة، بدون أن يقدم
لـ "حماس" ثمناً لذلك.
معيب أن تبقى المصالحة خاضعة لأوراق مصلحية فصائلية يتم توظيفها عند المستجدات، وقد كنا نتوقع أن ينعكس الزلزال الذي يضرب بعمق وطني وديمقراطي في الأرض العربية وانسداد أفق العملية التفاوضية فوراً على الوضع الفلسطيني، حيث تتقدم الأطراف المعنية بالانقسام الداخلي الفلسطيني إلى إنهائه، ورغم التوقيع على الورقة المصرية الخاصة بهذا الشأن، ورغم الاجتماعات والمناقشات والوساطات العربية والإقليمية، إلاّ أن وضع المصالحة على سكة السلامة ما يزال متعثراً وتوقف عند أول محطة تنفيذية، وهي محطة تشكيل الحكومة. ومن السذاجة الحديث أن سبب التعطيل هو الخلاف على شخصية رئيس الحكومة.
ننتظر من المباحثات اليوم جسر الهوة حول مختلف التفاصيل التي من شأنها إعاقة تنفيذ المصالحة الفلسطينية، ولعلنا نبدأ فوراً بمعالجة ملف آثار الانقسام، من أجل أن تعود الحياة إلى قطاع غزة، لأن ملف إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية على القطاع، بخاصة أن هناك أموالاً رصدت بالفعل لتنفيذ هذا الملف، وأجواء رمضان تفرض على الجميع توفير حسن النوايا لتنفيذ اتفاق المصالحة.