نادين لبكي لـ"الغد": للسينما قوة ونفوذ وسلطة تدفع نحو التغيير - فيديو

Untitled-1
Untitled-1

إسراء الردايدة

عمان- "السينما أشبه بعدسة مكبرة تلتقط ما حولنا عن كثب لترينا إياه بطريقة مختلفة، نعم؛ هي أداة قوية للتعبير والتغيير وحتى إن لم يتحقق هذا فهي قادرة على إيجاد الجدل، وهذا بحد ذاته يحمل أثرا كبيرا ويولد الكثير من التساؤلات".
هذه الطريقة التي ترى بها المخرجة اللبنانية نادين لبكي تأثير السينما وإيصال رسالتها، وفق ما قالته في مقابلة خاصة مع "الغد" أثناء تواجدها بالأردن مؤخرا.
بفيلمها الأخير "كفرناحوم"، نافست لبكي على أوسكار أفضل فيلم أجنبي إلى جانب أربعة أفلام أخرى. العمل ينتمي للسينما الواقعية عن الطفل "زين" الذي يقاضي والديه، لأنهما أنجباه لعالم لا يعرف الرحمة وتركاه يعيش البؤس والتشرد في شوارع بيروت الموحشة، لتمثل أطفالا مثله يعانون في كل مكان في العالم.
في ثالث فيلم لها بعد "سكر بنات" في 2007 و"هلأ لوين" في 2011، اختارت عنوانا قويا يعبر عن الفوضى التي ينثرها البؤس في شوارع بيروت كغيرها من المدن التي ينتشر فيها الفقر والظلم من خلال بطل فيلمها ذي الـ12 ربيعا ولعب دوره لاجئ سوري هو زين الرفاعي.
العنوان الذي اختارته لبكي باللغة الفرنسية capharnaüm يعني الفوضى، مستخدمة كلمة أدبية لتعبر عن دلالات الفيلم ومواضيعه المختلفة التي تمثل حقوق الأطفال والظلم الذي يتعرضون له والأشبه بـ"الجحيم".
وفي مواجهة مع وحشية الواقع، ينطلق المشهد الأول للفيلم لـ"زين" وهو في غرفة ضيقة خانقة تخلو من السلامة أو البيئة الملائمة لطفل كي يتواجد بها، وهو سبب رغبته بمقاضاة والديه لإنجابه، لأنه يعيش حياة يحاول فيها محاربة إهمالهما وقسوة المجتمع الذي لا يعترف بوجوده، وهو ما صورته لبكي وركزت عليه.
وتقول لبكي: "صناعة الأفلام هي ما أجيده، فالسينما هي الوسيلة التي يمكنني من خلالها التعبير بشكل أفضل.. فأنا أؤمن بأهمتيها في الدفاع عن المجتمع وقدرتها على إحداث التغيير".

;feature=youtu.be
اضافة اعلان


وتبين لبكي أن كل مشهد أو عبارة قادرة على إحداث أثر ما، وإذا نجح الفيلم في التأثير على مشاهديه فهذا يعني أنه بلغ مستويات مختلفة وهو ما يدفعها لتتعمق في مواضيعها أكثر بعد كل فيلم، لافتة إلى أن "كفرناحوم" أكثر نضجا من أعمالها السابقة لأنها تروت في إنجازه وأخذ فترة طويلة من خلال البحث والكتابة والتصوير الذي امتد لـ500 ساعة.
ومن خلال مونتاج الفيلم وتحريره، وبالتعاون مع مصورها السينمائي كريتسوفر عون، تم اختزال الفيلم من عشر ساعات لساعتين، وهو ما استغرق عامين بوجود كم هائل من اللقطات، التي اختيرت بعناية لتظهر كل شيء على حقيقته.
كما أن الفيلم بدا أكثر نضوجا لأنها تعاملت مع واقع مليء بالمشاكل، وكشفت من خلاله قضية حاسمة خطيرة، وعبر التقاط هذه التصورات والتغيرات، خضعت لتغيير بالنص نتيجة التعامل مع أطفال لهم طريقتهم بالتعبير، والتقطت مشاهد حقيقية للسجناء وصولا للأحياء التي يعيش بها أطفال مثل زين.
وأضافت لبكي أن التمثيل لم يكن مشكلة بالنسبة لـ"زين" فهي أرادت أن يكون الأطفال كما هم على حقيقتهم بقصد نقل الواقع مجردا لتضع نصها في خدمة الشخصيات لا العكس، وكانت منفتحة على تجاربهم الخاصة، فلم يكن للنص غاية كي يحفظوه بل لتصور تعابيرهم الخاصة.
بدا الفيلم مزيجا من كلمات الأطفال الخاصة وتجاربهم الحقيقية، لذلك كان هنالك بعد إنساني واضح بالمشاهد، فلم يكن أي منهم غريبا عن الحال الذي ظهر به، أو اختبر أمرا لا يعرفه.
وفيما ينتمي "كفرناحوم" لأفلام الواقعية الاجتماعية، اختارت لبكي وجوها حقيقية لتعبر عن حياتها اليومية بصدق، وهو ما توظفه في أفلامها لتروي قصصا مختلفة، وتضعها في خدمة قضية اجتماعية أكبر لما للسينما من نفوذ وسلطة ومسؤولية في تحقيق "التغيير" مجددا.
وخلال إنجاز فيلمها، أمضت نادين لبكي سنوات عديدة وهي تجري البحوث وتزور مراكز احتجاز الأطفال ومحاكم الأحداث في لبنان لفهم معاناة جيل يعاني من ظلم القوانين وغياب أوراق تعترف بهم منذ الولادة، ومنهم من يترك بدون آباء أو أمهات ليغدو ضحية التسول والاستغلال والتعنيف في الشوارع.

مشهد من فيلم "كفرناحوم" - (أرشيفية)


ومن خلال مقابلتها مع الأطفال كانت تسألهم بشكل محدد: "هل أنت سعيد لكونك على قيد الحياة؟"، مبينة صدمتها أن غالبية الإجابات هي النفي أو تمني الموت ومحاولات لا تنتهي للانتحار، ومعاناة الكثيرين من الضرب والاغتصاب وحتى النعت بأسماء مؤذية باعتبارهم مخلوقات لا تستحق العيش.
وهذا ما أظهرته لبكي باختيارها بطل فيلمها "زين" الذي وجدت فيه كل المعاناة والقوة والألم والحكمة بالرغم من صغر سنه، صلابته المدفوعة بالخوف والغضب، ليعيش مع مهاجرة غير شرعية من إثيوبيا ينتهي بها المطاف في القبض عليها وتركه وحده ليعتني بصغيرها "يونس" في الشوارع . فالقصة التي اختارتها لبكي استلهمتها من امرأة كان لديها 16 طفلا توفي سبعة منهم جراء الإهمال.
وكانت مهمة التصوير في الشارع، وفقا لنادين، صعبة جدا، وتجربة مؤلمة، فهي أخرجت أناسا تتشابه حياتهم مع الشخصيات التي لعبوها، ووضعت واقعهم أمام الكاميرا، وهو الذي أسهم في تكوين صورة الفيلم لتكون مختلفة عن فيلميها السابقين بصورته الداكنة والصعبة خاصة من خلال المونتاج واللقطات التي جعلت من سرديته سهلة.
ولفتت لبكي إلى أنها لم تعتمد أي مشهد لم تكن راضية عنه، ولم تزيف الحقائق، فهذا الواقع ليس في لبنان وحسب بل في كل مكان في العالم، فنحن نتحدث عن الأطفال الذي لا يحصلون على أبسط حقوقهم.
الموسيقى في "كفرناحوم" كانت حاضرة بقوة عبر تصميم الصوت الخاص مع شوارع بيروت، ووضعها المنتج خالد مزنر (زوج لبكي) ليوازن بها بين أصوات الشارع وموسيقاه التصويرية ليخلق تعاطفا بدون أي تلاعب بالعواطف ومنحه تلك الطاقة والواقعية أيضا، وهو أمر مهم، على حد قولها.
وأشارت إلى أنهم حاولوا قدر الإمكان الحفاظ على اللحظات الحقيقية بدون موسيقى، مكتفين بأصوات الشارع فيما استخدمت الموسيقى للحظات الشاعرية، لتحقيق التوازن بين المحيط والمكان والشخصيات.
وعن بلوغ الفيلم المرحلة النهائية لجوائز الأوسكار وعدم فوزه، حيث خطف الجائزة فيلم ألفونسو كوران "روما"، بينت لبكي أن المنافسة لم تكن متكافئة؛ إذ إن فيلم كوران صرف عليه الكثير لتسويقه وهو من إنتاج شبكة "نتفلكس" التي وضعت كل إمكاناتها ورغم كل هذا "بلغنا هذه المرحلة وحقق صدى كبيرا في كل مكان عرض به".
وأضافت "أن الفيلم منح زين وأسرته فرصة للعيش بشكل أفضل، فهو اليوم يعيش مع أسرته في النرويج ويذهب للمدرسة ويسكن بيتا جميلا"، لافتة الى أنه لم يكن يحسن القراءة حين التقت به، وهم بصدد تصوير فيلم وثائقي عن مراحل تصوير فيلم "كفرناحوم" وتفاصيله.
"كفرناحوم" الذي يعرض حاليا في دور العرض المحلية، يستحق المشاهدة، فمخرجته لبكي تتبع حياة طفل تميز بأدائه اللافت وهو ينقل واقعه الحقيقي، ومنظوره للحياة وقساوتها.
اللقطات الواسعة التي جالت الشوارع من زواية واسعة وضوء الطبيعة محيط بها، أظهرت كما هائلا من الطبيعة الخانقة وسط حضور الشخصيات المحاطة بالجدران في شوارع ضيقة ومع أحداث درامية تلمس القلوب، وقادرة على استحضار كم كبير من الدموع في عين المشاهد.