نتائج التوجيهي.. جنون غير مسبوق

مكرم أحمد الطراونة

في تاريخ الأردن التعليمي، لم يشهد أن حصل طالب على علامة 100 % في امتحان الثانوية العامة إلا مرة واحدة، كان ذلك في العام الدراسي الماضي لطالب من الفرع العلمي، وحين إذ تفاعل الأردنيون مع هذا الحدث الاستثنائي غير مصدقين أو مقتنعين به. وبالتوسع أكثر ربما لم يحدث ذلك في كافة الصفوف من الأول الابتدائي وحتى التوجيهي.اضافة اعلان
بالأمس أعلن وزير التربية والتعليم نتائج التوجيهي، 71 طالبا من الفرع العلمي كسروا كل الحواجز بحصولهم على معدل 100 % ومثلهم 7 طلاب للفرع الأدبي، في دلالة واضحة على أن هذا الامتحان لم يكن مثاليا بشكل سليم، وضعيف البنية، وأن الأسئلة لم تكن قادرة على فرز الطلاب، ويؤشر أيضا على أن الامتحان فشل فشلا ذريعا في تقييم مستويات الطلبة الحقيقية، وأن التجربة ربما كانت ناجحة لكنها غير منطقية بتاتا.
المنظومة التعليمية في الأردن تدفع اليوم ثمنا باهظا نتيجة عدم قدرة امتحان التوجيهي على قياس المهارات الأدائية والقيمية والمعرفية للطلبة، إذ ما تزال تعتمد أسلوب الحفظ والتلقين، وبالتالي تمكن الطلبة من تجميع العلامات بسهولة أكبر، وقد رسخت هذه المعادلة في العام الدراسي الحالي في ظل طبيعة الأسئلة ذات الشكل الموضوعي التي تساهم في استذكار المعلومات واستحضارها بشكل أسرع، خصوصا وأن الإجابة النموذجية التي يبحث عنها الطالب كانت متوفرة بين الخيارات المتعددة.
ومن أبرز أسباب هذا التحول التاريخي في عدد الحاصلين على علامة كاملة وشبه كاملة أن الأوزان النسبية التي أعلنتها وزارة التربية قبيل الامتحان، خصصت 65 % من العلامة الاجمالية للمبحث لمادة الفصل الدراسي الأول، و20 % من بداية الفصل الدراسي الثاني وحتى تعليق دوام المدارس في منتصف آذار جراء كورونا، و15 % من العلامة للمادة الدراسية خلال عملية التعلم عن بعد.
ليس من الصعب الاختلاف بشأن كل تلك المبررات، والتي جاءت نتيجة ما مر به العام الدراسي من مطبات وتحديات كان أولها اضراب المعلمين، وآخرها جائحة كورونا، لكن لا يمكن غض الطرف عن وجود تخبط في إدارة الامتحان العام لشهادة الدراسة الثانوية، والوقوع في أخطاء بسيطة ساهمت في ارتفاع المعدلات، كان من الممكن تفاديها، وعلى رأسها غياب التخطيط السليم والعدالة، وعدم اعتماد مقاييس ومعايير كفيلة بانجاح امتحان التوجيهي.
فبخصوص العدالة، لم تتوفق وزارة التربية في توزيع العلامات وتقسيمها على عدد أسئلة الامتحانات، فالخطأ المرتكب في مادة التربية الإسلامية (5 علامات) أفقد الطالب علامات أقل عن الخطأ المرتكب في مادة الفيزياء (6.6 علامة) على سبيل المثال، وقس على ذلك في الكيمياء وغيرها من المواد، نظرا لعدم توحيد عدد الأسئلة في كافة المواد، حتى تكون القسمة عادلة، فقد خصص 30 سؤالا لمواد، و40 لأخرى، والعلامة العظمى لها هي ذاتها (200).
ومن الفروقات الغريبة التي شهدها امتحان الثانوية العامة للعام الحالي أنه لم يسجل اعتراض من الطلبة أو أولياء أمورهم على الوقت المخصص للامتحانات، إلا عند التقدم لأول امتحان (الرياضيات)، جراء تأخر التربية في توزيع الأسئلة، بل إنه في مواد مثل اللغة الانجليزية والحاسوب وتاريخ الأردن واللغة العربية (مدة الامتحان ساعة ونصف) أجاب عدد كبير من الطلبة على الأسئلة في أقل من نصف ساعة، ما يعني أنها كانت سهلة جدا، وكأن وزارة التربية تنظم مهرجانا لتوزيع العلامات لإرضاء الناس.
كما لم يسجل خلال فترة الامتحانات وفي كافة الفروع الأكاديمية والمهنية أي احتجاج طلابي على صعوبة الأسئلة، مقارنة بالأعوام الماضية، التي كانت تشهد بعض المجازر في بعض المواد.
هذه بعض من ملاحظات عديدة، لكنها الأكثر حضورا في الحدث التاريخي الذي شهده الأردن أمس. سيكون تأثيرها في المنظور القريب محدودا، بيد أنه على المدى البعيد سينعكس سلبا على القبولات ومخرجات وجودة التعليم الجامعي. لا شك في ذلك.
مقبلون على عام دراسي ضبابي، لا أحد يستطيع أن يخمن إلى أين سيؤول، لذا فمن الممكن اليوم القبول بحديث وزير التربية والتعليم الذي طرحه في مؤتمره الصحفي أمس لتبرير الجنون الحاصل في المعدلات، لكن لا يمكن فعل ذلك العام المقبل، ولا بأي شكل من الأشكال، لذا على الوزارة أن تكون أكثر استعدادا وجاهزية.