نتهم الحكومات.. لكننا أسوأ

إذا كانت الحكومات هي المتهم التقليدي، دوما، بكونها سبب هذا الوضع الاقتصادي، وهذا الغلاء، وهذه التراجعات، فإن الناس أيضا، شركاء مباشرون في هذا الاتهام.اضافة اعلان
دعونا نتحدث بصراحة، ونسأل عن الذي يفعله الناس، بحق بعضهم البعض، بذريعة ان الحكومات لم ترحمهم أيضا، ولنسأل على سبيل المثال، عن عشرات آلاف العقارات التي رفع أصحابها إيجارها بحجة الغلاء، او عن مقدار ما يسمى "خلو الرجل" الذي وصل إلى مبالغ غير منطقية، في مناطق كانت منامة للثعالب البرية قبل عشرات السنين، إضافة إلى أسعار ايجار العقارات الجديدة، التي يتم تأجيرها بأرقام تقول للمستأجر التجاري، مسبقا، إنه سوف يخسر، بعد سنة او سنتين، ويغادر محله التجاري، ويعرضه للبيع، ان وجد من يشتريه، أصلا، بعد ان تحولت التجارة والصناعة والعقار وبقية القطاعات في الأردن، إلى مجرد قمار.
لماذا نبيع الفضيلة على بعضنا البعض، ونحن أيضا، أسوأ من الحكومات بحق بعضنا البعض، ودعونا نتأمل أيضا، ارتداد كل قرار حكومي سلبي، على الأسواق، إذ يبادر الجميع، برفع أسعار منتجاتهم، أو خدماتهم، بشكل يتفوق من حيث النسبة، على الغلاء المستجد، واذا سألت كثيرين قالوا لك، إنه بدون هذا الرفع، فلن يستمروا، لأن الحكومات، سلبتهم أموالهم، ولا بد من تعويض هذا المال!.
الحكومات لا ترحم، والناس لا يرحمون بعضهم البعض، وقدموا لي دليلا واحدا، على مشروعية ما يفعله كثير من الناس، بحق بعضهم البعض، من حيث تفنن الكل، في الثأر من الكل، بشكل غير منطقي، والذي يقع بين يدي من يبيعه قطعة أرض، او يصلح الكهرباء في منزله، او يقدم له أي سلعة او منتجا، يعرف ان الثقافة السائدة، باتت قائمة، على الفلتان والفهلوة، فالكل يتهم الحكومات، لكن لا احد يحدثك عن عدالة الأرقام التي نراها، من حيث كونها ارتفاعا طبيعيا، او مبالغا فيه.
الحكومات تورطت هنا في أمرين، أولهما الإجراءات الاقتصادية السيئة، وثانيهما ترك الناس لثقافة السوق، وما يسمى حرية البيع والشراء، دون معايير او قيود، لكن بالمقابل، جاء الارتداد أسوأ بكثير مما تفعله الحكومات، وبحيث تحول البلد، إلى حارة مفتوحة، يفعل كل شخص فيها، ما يريده دون أي قيد او قيود.
نتائج هذه الحالة، نراها هذه الأيام، إذ إن نتائج التوحش السائد بين الناس، بحق بعضهم البعض، بات واضحا، ونرى هذه الأيام كيف ان آلاف المحلات التجارية في كل المملكة، معروضة للبيع، او غير مرخصة، بسبب الوضع الاقتصادي، والمؤجر ذاته لا يريد ان يفهم ان البلد قد تغير، ويريد زيادة الايجار، او يطالب المستأجر بالخروج، ظنا منه، ان ضحية أخرى سوف تأتي لتقع في ذات الفخ، ووفقا لشروطه، هذا على الرغم من ان الوضع اليوم تغير، ومن مصلحة المؤجر العاقل، ان يحافظ على بقاء المستأجر التجاري، دون ان يتم ارهاقه، بدلا من خروجه، وعدم قدوم بديل عنه، وهو بديل بات غير متوفر هذه الأيام.
في كل مجلس تجلس فيه، تسمع كلاما ناقدا للحكومات، وهذا كلام لا مطعن فيه، لكن الكل يتعامى عما يفعله الناس بحق بعضهم البعض، وكأن التوحش الحكومي في القرارات غير مسموح، فيما رد الفعل عبر توحش آخر مقبول، ولا بد ان يصحو كثيرون من غفوتهم، امام التغيرات المتسارعة التي توجب على كل القطاعات التهدئة من اجل ان تستمر، وليس ادل على ذلك ان قطعة الأرض في عمان واربد مثلا، التي وصلت إلى ثلاثمائة الف دينار، وبشكل مبالغ فيه، وكأننا في مدن عالمية، انهارت أسعارها هذه الأيام، إلى نصف الثمن، ولا احد يشتري، حتى مع انخفاض السعر، لأن الكل مذعور، والسيولة غائبة، ولأن كل المشهد الاقتصادي يعاني من اختلالات، ستؤدي الى تراجعات اكبر خلال الأيام المقبلة.
لا أحد يدافع عن الحكومات، او يخفف كلفة مسؤوليتها، لكن نسأل اليوم اذا كنا قد رحمنا بعضنا البعض، أم اننا بذريعة الغلاء، هجمنا بعنف على بعضنا البعض، فلم يرحم أحد فينا الآخر، هذا على الرغم من ان الكل سوف يدفع الثمن، نهاية المطاف، بما نراه اليوم، من مشاهد سلبية، ترتد على الكل، ولا تستثني أحدا.