نجاح الأمن وإخفاق الحكومات

نجحت دائرة المخابرات العامة والجيش في كبح جماح الإرهاب العام 2017، واستطاعت باقتدار لافت تجنيب الأردن أخطاره رغم الحرائق التي تشتعل في الإقليم.
هذا ما قلناه سابقاً، وهذا ما تؤكد دائرة المخابرات على فعله بإعلانها في الأسبوع الأول من هذا العام إحباط مخططات كانت تنوي خلايا إرهابية تنفيذها في البلاد، وفي ذلك رسالة للشعب والعالم أن الأردن عَصِي على الاختراق وسيظل وطناً آمناً مهما أحاطت به الضغوط والمؤامرات.اضافة اعلان
ليس غريباً بعد هذا أن يحظى الجيش والأجهزة الأمنية بأعلى مستوى للثقة عند الأردنيين في استبانة للرأي العام أعلنها منتدى الاستراتيجيات الأردني، فالجيش حظي بثقة 90.3 % من العينة المشاركة وعددها 1200 مشارك، في حين بلغت الثقة بالشرطة 82 %، وفي المحاكم 73.5 %، وانخفضت الثقة بالحكومة لتصل الى 54.2 %، وفي الدوائر الحكومية الى 44.4 %.
نجاح المخابرات في إحباط المحاولات الإرهابية وحماية الأمن الوطني، ونتائج  الاستبانة التي تشير الى تقدم ملحوظ في ثقة الأردنيين بالجيش والأجهزة الأمنية، وتراجعها عندما يتعلق الأمر بالجهاز الحكومي، يدفعنا الى طرح السؤال المفصلي، لماذا تنجح المؤسسات الأمنية وتخفق أو تتعثر الحكومات وأجهزتها؟
هذه الفرضية التي نطرحها كشفتها استطلاعات الرأي والعمل في الميدان، وأعاد تسليط الضوء عليها جلالة الملك في لقائه الأخير برئيس مجلس النواب ورؤساء اللجان حين أسهب في الحديث عن ضرورة البدء بإصلاح واسع في مؤسسات القطاع العام بالتوازي مع الإصلاحات التي باشرتها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
ونعود فعلاً للسؤال لماذا تفشل الحكومات في الإيفاء بالتزاماتها وتتعثر في مواجهة التحديات، وهذه الظاهرة عابرة لغالبية الحكومات حتى لا نظلم حكومة الرئيس هاني الملقي التي تتوالد الأزمات أمامها، فحين تتجنب أزمة تصطدم بأخرى؟!
هل هي الأزمة الاقتصادية وقلة الموارد التي تعيق نجاح الحكومات في مهماتها؟!
هذه المعضلة والتحدي لا يمكن أن نقلل من أهميته، غير أن الأردن مر بسنوات بل بعقود لم تكن الظروف الاقتصادية بهذا التعقيد، ولم تنجح الحكومات في بناء قصص نجاح، وتنمية حقيقية تستثمر بالموارد البشرية التي تتميز بها، وتبني نهجاً اقتصادياً يعتمد على الذات، هذا عدا عن أن الظروف التي يمر بها الأردن تعيشها دول أخرى حققت قصص نجاح تُروى دون أن تعتمد على المساعدات، وبنت اقتصاداً متنوعاً بالاعتماد على ثروتها البشرية.
كثيرة هي الفرضيات التي يمكن أن تُطرح عن أسباب اخفاق الحكومات في إدارة شؤون الحكم، وربما أبرز ما يمكن مناقشته أيضاً الملاحظة التي أثارها الملك في حديثه للنواب عن ضرورة احترام سيادة القانون، ورفض تدخل أي نائب أو مسؤول بالقضاء.
نعم؛ كيف يمكن لبلد لا يصون سيادة القانون أن يتطور ويتقدم، وكيف يمكن لبعض المسؤولين والنواب المؤتمنين أن يتدخلوا بتطبيق القانون عنوان ورمز العدالة، ثم يستمروا بعملهم ومهامهم دون أن يؤنبهم ضميرهم، ودون أن يشعروا أنهم خالفوا الدستور، وقواعد الحوكمة الرشيدة، وأنهم يدقون مسماراً في مسار الإدارة النزيهة والكفؤة؟
لا نجد في غالب الأحيان إجابات، وربما نتحدث عن قوى الشد العكسي التي تعيق الإنجاز، أو القوى الفاسدة والمتنفذة التي تتعارض مصالحها مع القيم الإيجابية التي ننتظرها.
علق الملك الجرس، والشعب ينتظر أفعالاً وليس أقوالاً من الحكومة والبرلمان!