نجم.. عاشق آلة القانون وعرابها في بلجيكا

الفنان العراقي سهاد نجم-(أرشيفية)
الفنان العراقي سهاد نجم-(أرشيفية)

رشا سلامة

عمان- ذات صدفة في بلجيكا، كان للمغربي عبد المجيد اليزيدي حكاية فريدة؛ إذ اهتدى، بعد أعوام طوال في المهجر، لعازف عراقي هو سهاد نجم، الذي تتلمذت على يده طفلة اليزيدي سلمى وابنه جليل.اضافة اعلان
كان نجم قد قطع شوطا طويلا في تعليم العزف على آلة القانون، بين العراق وتونس وبلجيكا. وكان اليزيدي يبحث عن أي خيط وصل لأبنائه بالبلاد العربية.
يقول إنه ليس للعائلة اهتمامات موسيقية، كما أن أبناءه بالكاد يفهمون العربية، مستدركا "لكن آلة القانون أعادتهم للمغرب ولامتدادهم العربي؛ إذ باتوا يأتون للوطن مرارا خلال العام، كما أنهم يصرون الآن على فهم معنى الكلمات العربية التي يؤدون ألحانها".
كثر هم من تتلمذوا على يد نجم، الذي يحتكم لفراسته كفنان متمرس: يختبر سلامة أصابع الطالب وأذنه الموسيقية ويقيم تذوقه للموسيقى منذ الحصة التجريبية الأولى، ومن ثم يخبر ذويه إن كان يجدر به الاستمرار أم لا.
السيناريو الآنف، حدث مع ابني اليزيدي، وتحديدا سلمى، التي استشرف نجم قابليتها العالية للتعلم برغم سنوات عمرها الغضة، وهكذا كان.. باتت سلمى اليزيدي الآن من بين أكثر عازفات آلة القانون شهرة في بلادها وفي أوساط المهتمين بتعليم الموسيقى للأطفال.
غادر نجم، المولود في العام 1971، بلاده، ميمما وجهه شطر الغربة، في العام 2002، نحو تونس على وجه التحديد، ليكون بهذا مدرس القانون العراقي الأول الذي توجه له دعوة من هذا القبيل. في بلاد الياسمين، انتظم نجم في سلك التعليم، فكان أستاذا جامعيا مساعدا في المعهد العالي للموسيقى التابع لجامعة صفاقس، كما تتلمذ على يده طلبة كونسيرفتوار المهدية وكونسيرفتوار صفاقس، وألف هناك "المنهج الحديث لدراسة آلة القانون" في العام 2007.
تجربة نجم الأكاديمية في العراق وكذلك الكتابية، أهلته للنجاحات التي حققها لاحقا في تونس وبلجيكا؛ إذ ألقى الدروس الأكاديمية في تعليم آلة القانون في كل من معهد الفنون الجميلة ومعهد الدراسات الموسيقية ومدرسة الموسيقى والباليه وكلية الفنون الجميلة - قسم الموسيقى في جامعة بغداد، كما ألف في بلاده أيضا "المنهج المبسط لدراسة آلة القانون"، ضمن منشورات وزارة الثقافة العراقية في العام 2000.
اختار نجم، الذي تلقى تعليمه الموسيقي في جامعة بغداد، العزف وتعليم آلة القانون لينتصر على أوجاع المهجر. يقول "لطالما ساعدتني الموسيقى على تجاوز صعوبات الغربة، كما أبقت الرابط الوجداني قائما بيني وبين العالم العربي وبلادي تحديدا".
نجم، الأب لطفلين أحدهما وسيم الذي يعزف على آلة القانون بمهارة تفوق سنوات عمره الإحدى عشر، ينحاز للتجربة العربية في العزف على آلة القانون. يقول إن ثمة محاولة هيمنة تركية، تحديدا، على الموسيقى العربية، ما يجعله يسعى بكل ما أوتي من جهد لتكريس الطابع العربي في المقطوعات الموسيقية التي يعلمها لطلبته، العرب منهم والأجانب.
يقول إن المقطوعات العربية والأغنيات التي جاد بها فنانو العالم العربي من المحيط إلى الخليج كانت المهيمنة على حصص الموسيقى لديه في المركز الثقافي العربي في مدينة ليج البلجيكية، وفي مقر عمله الحالي في أكاديمية الموسيقى Muziekpublique في بروكسل، وإن كان مهتما أيضا باطلاع طلبته على الموسيقى ذات الطابع التركي. لكن الأساس هو تكريس حضور الفن العربي، وهو ما يبدو جليا عند متابعة فيديوهات طلبة نجم، الذين يحترفون عزف مقطوعات الموسيقار محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش وغيرهم.
لا يدخر نجم وسيلة لتعليم آلة القانون إلا وينتهجها؛ إذ لم تحل المسافات والجغرافيا دون وجود طلبة له في معظم بقاع العالم. كان هذا عبر شبكة الإنترنت، وتحديدا برنامجي "يوتيوب" و"سكايب"، وبتقنيات تعليم وتدريب عكف على دراستها لأعوام، حتى أثبتت نجاعتها.
في مصر وفلسطين والعراق والخليج والدول الأوروبية وبلاد المغرب العربي ينتشر طلبة نجم عبر الإنترنت، بإشراف مباشر منه، وبتعهد أخلاقي وإخلاص لافت لمساعدتهم على الوصول لأعلى درجات المهارة والانتشار، من خلال تبني أعمالهم ونشرها والترويج لها عبر صفحات الإنترنت والتواصل الاجتماعي.
تمضي أيام نجم في المهجر، فيما هو يستحضر العالم العربي يوميا، بألحانه ومقطوعاته وأغنياته، وتحديدا العراق، التي اختمرت تجربتها الفنية الرائدة، موسيقيا وتشكيليا وتمثيليا، كأنما كانت تعد العدة لنشر هذا النتاج الباذخ في أرجاء العالم عقب احتلالها في العام 2003.