نحن والعصر نحن والآخر

د. أحمد ياسين القرالة

تناول المرحوم الدكتور ناصر الدين الأسد في كتابه "نحن والعصر مفاهيم ومصطلحات، نحن والآخر صراع وحوار" بالتوضيح والبيان لكل ما يُشكل فهمه في العصر الحاضر لبعض القضايا الإسلامية، وكيفية مواجهة متغيرات الحياة ومستجداتها بفهم إسلامي يفسرها ويوضح ما غمض منها، ويربطها بأحكام الإسلام وحقيقة تعاليمه.اضافة اعلان
تحدث عن نظام الحكم في الإسلام، وواقع الأقليات الدينية ومكانة المرأة في المجتمع الإسلامي، واستعرض الكرامة الإنسانية في جذورها التاريخية ومخاطر التطرف، وفي الفصل الخامس من الجزء الأول تحدث عن الثقافة العربية في العالم الجديد.
كما استعرض في الجزء الثاني منه الديمقراطية والشرعية الدولية والتفاعل الحضاري والاتحاد الأوروبي والعرب وغيرها.
ومن المتعذر تناول كل ما يتعلق بهذا الكتاب الذي تجاوزت صفحاته الثلاثمائة صفحة، ولكننا سنركز على منهجية الكاتب ومميزات أسلوبه، الذي استم بالمنهجية العلمية الصارمة والموضوعية المتجردة، كيف لا؟ وهو الأستاذ الأكاديمي الذي أفنى عمره في التعليم الجامعي والبحث العلمي، إضافة لخبرته العميقة بالحضارتين الإسلامية والغربية.
انطلق الكاتب في تناوله القضايا التي قام بدراستها من اعتزازه بثقافته العربية والإسلامية، فلم يعرضها من منطلق الضعف أو الهوان ولم تسيطر عليه النفسية الانهزامية والخضوع للآخر، ولم ينهج منهج التسويغ والتبرير؛ لأجل ذلك رفض رفضاً مطلقاً التلفيق بين الثقافة الإسلامية والحضارة الغربية، فهو يرى أن لكل ثقافة ذاتيها وخصائصها المتفردة؛ لذا نجده يرفض استعمال المصطلحات الغربية ونسبتها جزافاً للحضارة الإسلامية كالديمقراطية والاشتراكية والأصولية وغيرها.
كما رفض التفريط في مبادئ الإسلام الأساسية وأصوله باسم العقلانية والحداثة، أو إرضاء الآخرين ومجاملتهم، أو بحجة جعله متماشياً مع روح العصر ومقتضيات الحياة، فهذا في نظره ليس من العلم ولا من منهجه في شيء؛ لأنه تضليل وتزييف مهما كانت نية صاحبه والباعث عليه، فالواجب العلمي والديني يفرض علينا أن نعرض قيم الإسلام وحقائقه كما هي بعيداً عن التحريف والتلفيق.
الجميل في هذا الكتاب أن مؤلفه رحمه الله سعى لمخاطبة غير المتخصصين في الشريعة خاصةً جيل الشباب منهم، الذين يحتاجون إلى مَن يجيب عن أسئلتهم الكثيرة التي طالما أوقعتهم في الحيرة؛ نظراً لما يرونه من بون شاسع بين مفاهيم عصرهم وبين ما يعرض عليهم من تعاليم الدين، وهو أيضاً محاولة لمخاطبة غير المسلمين، خاصةً الأجانب منهم للوصول إلى مراكز الفهم والإقناع عندهم؛ حيث جلّى بلغة وقورةٍ وأسلوبٍ رصين وبروح واثقة تلك القضايا من مصادرها الأصلية ومنابعها الحقيقية من خلال آيات القرآن الكريم والسنة الشريفة، مما جعل هذا الكتاب مستحقاً للقراءة والإشادة والدعوة لاعتماده منهجاً في التثقيف وصناعة الوعي الديني وكيفية مخاطبة الآخر.
تستحق وزارة الثقافة الشكر الجزيل على نشر هذا الكتاب ضمن سلسلة "مكتبة الأسرة"، وهو بلا أدنى شك ركن أصيل فيها، وحبذا لو تمت ترجمته إلى اللغات الأخرى لتعم الفائدة، خاصةً وأن بعض مباحثه كتبت أصلاً باللغات الأخرى.
رحم الله ناصر الدين الأسد الذي استحق بهذا الكتاب أن يكون اسماً على مسمّى.