نحن والعنف

يحب الناس أن يعطوا مسميات عدة لنوع من الحركات الاجتماعية، التي دائما أو غالبا ما توصف باعتبارها ظاهرة غريبة عن مجتمعنا، وهذا جواب ممل ومزعج لكنه غالبا ما يوفر للمسؤول أو للجهات المعنية بالتأثر من العنف، ملاذا أو ذخيرة ضد كل حالة احتجاج.
والحقيقة أن ثمة فرقاً بين الاحتجاج المنظم أو الحركات الاحتجاجية ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، وبين تحالف أو تضامن مجموعة أفراد، أو قيام فرد ما بعمل عنيف ضد مرفق عام.
الأردنيون في تاريخهم عرفوا الكثير من الاحتجاج، وكان احتجاجهم جزءا من حراك عالمي، حدث ذاك في زمن الاحتجاج على مظاهر الاستبداد العثماني، ثم في العهد الامبريالي الاستعماري، وكانت سنوات الثلاثينات من القرن العشرين زاخرة به.

اضافة اعلان

ثم تنوع الاحتجاج في مرحلة استقرار الدولة، وعُبر عنه في صور متعددة منها المسيرات والمظاهرات والبيانات، والمواكب واللقاءات العامة، وكان سجن الجفر الذي شيد أواخر الأربعينات ونما أوائل الخمسينات يُعدّ أبوابه لاستقبال فاعلين في الحركات الاجتماعية والسياسية.
آنذاك قامت مظاهرات سياسية ضد حلف بغداد في الخمسينات، شارك بها الطلبة والمعلمون، ثم قامت مظاهرات مؤيدة لعبد الناصر بالعام 1956 إثر قرار تأميم شركة السويس، وفي أواخر الثمانينات جاءت أحداث نيسان (ابريل) نتيجة لظرف اقتصادي بحت، ثم أحداث الخبز العام 1996، وتلاها العديد من الحركات الاحتجاجية ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.

مطلع الألفية أخذت حركات الاحتجاج بعدا عالميا مع الحفاظ على أسباب وظروف خاصة محلية، كان هناك حراك ضد مؤتمر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ثم ضد منتدى دافوس، ثم جاءت عمليات متكررة من الإضرابات لعمال البوتاس، ومن بعدهم المصفاة وصولا إلى حراك المعلمين اليوم. مرورا بعمال المياومة ومربي المواشي... الخ.
ماذا يعني ذلك؟ هل يعني انكشافا وانكسارا للفضاء الاجتماعي للمجتمع أو تحولا أو تغيرا في بناه وثقافته وفي مساره؟ هل يمكن اعتبار ما يحصل من جرائم تتطور إلى شجار عائلي جماعي يؤذي ممتلكات الدولة جزءا من حركات احتجاجية مطلبية؟ الجواب لا،  فثمة فرق بيّن. في الحالة الأولى، وهي الحركات الاحتجاجية ذات الصفة المطلبية، سواء كانت نقابية أم عمالية أم طلابية، ضد قضايا رفع الأسعار أو تعديل الأجور أو مراجعة الرسوم الدراسية… الخ، نحن بحاجة لإدارة سياسية ديمقراطية في مواجهة الاحتجاج والتفاوض، وفي حالة العنف والإتلاف الذي يرقى إلى تحدي القانون، نحن بحاجة إلى صرامة في تطبيق القانون.

في جميع الحالات نحن بحاجة ماسة أيضا إلى الإقرار بأنه ليس من خصوصية أردنية، وإن ما يحصل عندنا يحصل عند الآخرين، وأن نقر بأن ثمة تكوينات اجتماعية أكثر عمقا من تكوينات مجتمعنا في دول أخرى، وأن التعارض بين القانون والعرف والعادات يجب أن ينتهي.

يجب الإيمان أيضا أن الديمقراطية لا تنتهي بنواب يجري انتخابهم فقط، فالديمقراطية إذا كانت خيارنا تعني الاستعداد أكثر لموجات عديدة من الحركات الاحتجاجية السلمية تحت سقف القانون والمواطنة من مواكب أو اعتصامات أو مسيرات... الخ، والمهم أن لا يتهم العمال والمزارعون أو المعلمون بوطنيتهم إذا ما قرروا العمل سلميا على تحسين ظروفهم. والأكثر أهمية أن نحمي الحرية بالممارسة الواعية المنضبطة بالقانون في أي عمل احتجاجي.

[email protected]