نحو تحالف ليبرالي ضد "الترامبية"

مع تعيين جون بولتون؛ المعادي للمنظمات الدولية، مستشاراً للأمن القومي، في الولايات المتحدة الأميركية، تتعزز أكثر صورة معاداة إدارة الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، للنظام الدولي الليبرالي (المؤسساتي)، ولكن الحقيقة أنّ ما يجري في الولايات المتحدة، يجري في أماكن أخرى مثل الصين، والدول العربية، من حيث الارتداد على مفاهيم المنظمات والقوانين الدولية، واللجوء للدكتاتورية، والحكم العائلي، والحرب. والواقع أنّ ما يحدث أيضاً هو جزئيا، سفور لجزء من النظام الحقيقي القديم، الذي كانت الليبرالية فيه تبدو قشرة وغطاء أحياناً. ما يعني ربما أنّ هناك فرصة، أو حاجة، للتفكير بحركة ليبرالية دولية جديدة، تواجه الردّة "القومية-المركنتلية" الراهنة، وتقوم بعملية تنقيحية لليبرالية الاقتصادية التحريفية التي ظهرت بشكل أساسي منذ ثمانينيات القرن الفائت.اضافة اعلان
ألغت الصين منتصف شهر آذار (مارس) الفائت، بموجب قرار برلماني، تحديد الدورات الرئاسية التي يسمح لرئيس واحد توليها، بدورتين، ما يفتح الطريق لبقاء الرئيس الحالي، شي جين بينغ في الرئاسة طالما أراد ذلك. وهناك منظرون صينيون، يقولون إنّ عدم الانجرار وراء فكرة الإصلاح السياسي، هي سبب النهضة الاقتصادية والتنموية الصينية. وهناك سياسيون وكُتّاب عرب، يروجون لفكرة أنّ الإصلاح السياسي ليس ضرورياً، وأن الحكم الفردي والعائلي، هو الأساس. وقبل نحو عشر سنوات، كان هناك من يروج فعلاً لفكرة "الليبرالية الاقتصادية- أي الخصخصة وتحرير الأسواق"، مع عدم الوصول لليبرالية السياسية، وشجّع مسؤولون أميركيون هذه الفكرة، وقد استمتعت شخصياً لمحاضرة لوزير الخارجية الأميركي، القائد العسكري السابق، الجنرال كولين باول، ينصح فيها دول الخليج العربية، بعدم التفكير بالديمقراطية، والتركيز بدل ذلك على توفير فرص العمل وتحسين الاقتصاد والتعليم ونوعيته، وتأجيل التفكير بالديمقراطية. وكانت هذه المحاضرة، العام 2011، بعد خروجه من إدارة جورج بوش الابن.
في تركيا فإن النظام أعيد ترتيبه أيضاً لملاءمة الطموح الرئاسي، والعثماني، لرجب طيب أردوغان. وطبعا هناك من ينظر لتغييرات تعزز سيطرة شخص في الحكم. وهذا صحيح في تركيا ومصر، وقبل هذا إيران مستمرة في تأكيد دور فرد (المرشد الأعلى)، ودور رجال الدين. وفي روسيا يُشكّل النظام ليضمن بقاء الرئيس فلاديمير بوتين.
إنّ استمرار الحرب في سورية، واليمن، وليبيا، من دون منظومات إقليمية ودولية للتدخل، وزيادة النزعة للحكم الفردي، وتقلص الاهتمام بالقضايا العربية المشتركة، هي في الاتجاه الدولي ذاته، من ضعف الشعور بأهمية الاستقرار الإقليمي والعالمي، وفق آليات لحل النزاعات على أساس القانون الدولي والشرعيات وحقوق الإنسان.
يتجه العالم عموماً في الاتجاه المعاكس لفكرة القانون الدولي، وللاتفاقيات العالمية (رغم أنها لم تكن وصلت حدا كافيا من الفعالية)، وفي اتجاه الفكر القومي التوسعي، الذي يعطي أيضاً للدكتاتورية، وللفردية، والعائلية. ودونالد ترامب ليس الا الوجه الفاقع لذلك. وحتى سياسات رئيس مثل باراك أوباما، الذي فضل عدم التدخل عالميا، ما هي الا خطوات في الاتجاه ذاته، ضد "العولمة" السياسية، ومع إهمال أو عدم اكتراث بالمنظمات الدولية والمؤسسات العالمية، وإن كانت قومية أوباما غير توسعية، وأقرب للحمائية.
يعني الوضع الراهن سيادة لغة القوة والعنف أكثر، ويعني ضرورة تغيير سبل حفظ الأمن القومي في كثير من دول العالم، ويعني تغييرا في طبيعة الحياة عموماً. وهذا بالمقابل، يفتح الباب، أو يفرض، قيام حركات شعبية وتحالفات من دول (خصوصا بعض الدول الأوروبية لا سيما الدول الصغيرة، والشعوب المغلوبة) للتصدي لعمليات تدمير المؤسسات والقوانين الدولية، وفي السياق ذاته، القيام بنصرة قضايا أهملت أو ظلمت حتى في سياق المراحل السابقة، مثل الموضوع الفلسطيني، الذي بقي القانون الدولي والمؤسسات عاجزين فيه، وكذلك يجب في السياق ذاته، إعادة النظر في الشق المتطرف من الليبرالية الاقتصادية، أو ما عرف في العقود الأخيرة، في بريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى، باسم الليبرالية الجديدة؛ حيث تتراجع فكرة الرابطة الاجتماعية، ووظائف الدولة والمجتمع، إزاء الشرائح الأكثر فقراً وضعفاً.
يحتاج العالم لتآزر فكري وحركي من قبل المؤمنين بالإنسانية، والحرية، وبالتكافل الاجتماعي، والرافضين للدكتاتورية، والمناهضين للقومية المركنتلية (التجارية) العنيفة التي يبدو أن ترامب يتبناها، ولتوغل نظريات حكم الفرد، وللقوميات العنيفة المتسترة بالدين وفي مقدمتها الصهيونية.