نحو مشروع الصخر الزيتي الأردني

د.م. جمال العلعالي*
نقرأ كثيرا في الصحف تصريحات وآراء ومقالات ونشاهد ونسمع لقاءات وحوارات حول الصخر الزيتي في الأردن من حيث الاحتياطات الهائلة وإمكانية استغلاله ولماذا لم يستغل بعد ومتى يمكن استغلاله...إلخ.اضافة اعلان
فمنهم من يقول بعد عام أو عامين سنبدأ بإنتاج عدد معين من البراميل أو الأطنان من الزيت، ومنهم من قال في نهاية العام 2012 سيتم إنتاج عشرات الآلاف من البراميل، وقد تصل أرقام أكبر إلى 100 ألف برميل في اليوم خلال عامين أو ثلاثة، وكأن مشروع تعدين وبناء محطات وتشغيل وإنتاج النفط من الصخر الزيتي هو كمشروع فتح مطعم أو مصنع صغير للشيبس أو حتى بناء عمارة سكنية «مع تقديري لهذه المشاريع».
وللأسف» فكثير من الذين يكتبون أو يتحدثون ليسوا متخصصين أو لا يمتلكون المعرفة الحقيقية أو الخبرة في هذا المجال، خصوصا وأن الذين يعملون في هذا المجال؛ سواء في الشركات التي تعمل في الصخر الزيتي أو المؤسسات الرسمية، قليلا ما يتحدثون، وإن تحدثوا فيكون بتعليق بسيط ومقتضب، وإن سألوا عن المدة الزمينة لبدء الإنتاج التجاري يعطون أرقاما وزمنا تقديريا بالسنوات..!، وهذا ليس لأنهم لا يمتلكون الدراسات اللازمة والجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع، وإنما لأنه ما تزال هناك معوقات وصعوبات لتحديد الوقت اللازم للبدء بتنفيذ المشروع على أرض الواقع.
وهنا أتحدث عن استغلال الصخر الزيتي بطرق التقطير السطحي لإنتاج الزيت والكهرباء، وفي هذا الإطار، أود أن أوضح أن تقنيات التقطير السطحي لاستخلاص الزيت من الصخر تقسم الى قسمين: تقنيات مثبتة عالميا (3 تقنيات) تعمل وتنتج كميات متواضعة في بعض الدول، ولكنها لم تصل الى مرحلة الإنتاج التجاري يجري تطوير بعض منها حاليا إما لتلائم أنواعا مختلفة من الصخر الزيتي أو لزيادة قدرتها على الإنتاج.
أما القسم الآخر، فهو تقنيات متعددة، ولكنها ما تزال إما في مرحلة البحث والتحقق العلمي والعملي أو في مراحل التجارب الريادية وشبه الصناعية، وهذه طبعا تحتاج الى وقت أطول ودعم وتمويل مالي لتوفير سبل النجاح مع القناعة أن البحث العلمي الجاد والمثابرة وتقدم التكنولوجيا ستوصل هذه التقنيات الى جدواها لأن تقدم العلم أثبت أن الذي كان مستحيلا أصبح الآن ممكنا.
مع أنني من المتفائلين والداعمين والعاملين في الصخر الزيتي، ولكن يجب أن نكون واقعيين لنواجه حقائق علمية وعملية لنقل وتوطين هذه الصناعة في الأردن.
أعود وأقول إن أقرب وقت لاستكمال وتنفيذ وإنتاج زيت الصخر الزيتي وبكميات تجارية معقولة؛ أي بين 10 و30 ألف برميل يوميا، لن يكون قبل 4-5 سنوات من بدء العمل على الأرض، شريطة وجود التمويل اللازم؛ لأن التمويل لهذه المشاريع هو الأهم وأصبح المعوق الرئيس لإنجاح هذه الصناعة وتوطينها في الأردن.
والحديث عن الصعوبات والمعوقات لإقامة هذه الصناعة وتحديدا في الأردن يندرج تحت نوعين: صعوبات تطوير وملاءمة هذه التقنيات المثبتة عالميا لتتناسب مع طبيعة الصخر الزيتي الأردني من حيث النوعية والبنية التحتية والبيئية ومستلزمات الإنتاج وتوعيته وتطويره وتسويقه، وهذه الصعوبات أمكن التغلب عليها بتطويع العلم والتكنولوجيا، وفعلا تم تجاوزها في شركات الصخر الزيتي في الأردن، والتي وصل قسم منها الى مراحل متقدمة.
أما النوع الثاني فهو التمويل لمشاريع صناعية جديدة وكبيرة تحتاج الى مبالغ مالية كبيرة سواء من مؤسسات مالية كبيرة أو كبار المستثمرين، وهنا تكمن المشكلة في إقناع هذه المؤسسات أو المستثمرين بجدوى هذه المشاريع، علما أن دراسات الجدوى الاقتصادية البنكية قد تم إعدادها من قبل بعض الشركات العاملة في الصخر الزيتي.
ومن أسباب إحجام هذه المؤسسات المالية والمستثمرين عن تمويل هذه المشاريع، أنه لا توجد لغاية الآن سوق حقيقية لمنتجات الصخر الزيتي بسبب عدم وجود إنتاج تجاري عالمي، ومنافسة مشاريع الطاقة التقليدية والجديدة في العالم مثل تطوير إنتاج حقول النفط التقليدي وإنتاج الغاز الطبيعي وخصوصا في الحقول «الكتيمة»؛ حيث ظهرت تقنيات جديدة في السنوات الأخيرة لتطوير حقول غاز الشيل (Shale gas) التي كانت تعد غير منتجة، والتخوف غير المبرر من الآثار البيئية المتوقعة تحت ضغوط مؤسسات البيئة العالمية مع أن ذلك أمكن تفاديه بتطوير أساليب التكنولوجيا، والظروف الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط خلال العامين الأخيرين، ما أثر على جذب واستقرار الاستثمار، وشعور المستثمرين بعدم استقرار القوانين والأنظمة والتعليمات الناظمة للاستثمار الطويل بسبب تغيير الحكومات وأصحاب القرار المتكرر في الأردن والتشكيك بديمومة الاتفاقيات التجارية لمثل هذه المشاريع، مع العلم أن الاتفاقيات لاستغلال هذه الثروات الطبيعية تكون لفترة طويلة (40 سنة) ومصادق عليها من الحكومة والبرلمان والإرادة الملكية لتصبح قانونا نافذا.
يبدو والحال كذلك، أن الحصول على تمويل لهذه المشاريع من الصعوبة بمكان خلال هذه المرحلة، إلا إذا كانت الشركة القائمة على المشروع تملك الإمكانات المالية الكافية للقيام بذلك وحدها، وهذا باعتقادي غير متوفر حاليا في الشركات الحالية.
صحيح أن الدولة الأردنية بحكوماتها المتلاحقة، وخلال السنوات العشر الأخيرة هيأت الفرص المناسبة وشجعت على الاستثمار في الصخر الزيتي، لأسباب معروفة لدى الجميع من حيث ارتفاع سعر البترول وتحمل خزينة الدولة مصروفات الطاقة التي أصبحت تشكل عبئا وتستنزف أكثر من 20 % من الدخل القومي للأردن وبسبب الحاجة الملحة أصبح استغلال ثرواتنا الطبيعية؛ وخصوصا ثروة الصخر الزيتي المدفون في الأرض ضرورة وطنية وأمنا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا حتى قبل أن تكون مشاريع مجدية اقتصاديا ومدرة للدخل وتوفر فرص عمل...إلخ.
ولكن، التشجيع والحث على إلقاء الخطب وعمل التحاليل البيانية ومحاولة تعديل الأنظمة والقوانين والعلم بأضعف الإيمان، تبدو غير كافية للبدء بعمل حقيقي لاستغلال هذه الثروة على الأرض الأردنية، فلابد للحكومة أن تتدخل بشكل مباشر في هذه المشاريع وعمل إنجاز فعلي وكسر هذا التلكؤ وتمكين هذه الشركات من التقدم الى الأمام بخطوات جريئة لتنفيذ برامجها.
الاتفاقيات التجارية (حق الامتياز) بين الحكومة وشركات الصخر الزيتي تعطي الحكومة بدون كلفة ومخاطرة حصصا جيدة في الإنتاج وتقاسم الأرباح من خلال رسوم الاتاوة وضريبة البترول وبعض الإيرادات، وهذا طبيعي وحق للدولة والحكومة والمواطن؛ لأن هذه الثروات في أرضنا واستغلالها يعني إعطاء الشركات الفرص في الدخول والعمل وتغيير معالم طبيعة الأرض وما عليها وتأثيراتها على المواطنين والساكنين والمالكين الحقيقيين لهذه الأرض وما تحتويها من ثروات.
ولكن أن يبقى دور الحكومة فقط دور المتفرج بانتظار الشركة أن تنجح في عملها، وبالتالي حصولها على مردود، وإذا فشلت أو لم تتمكن من تمويل المشروع يتوقف العمل وتخرج الشركة، فهذا يعني خسارة وقت إضافي والبدء من جديد والمحاولة مع شركة أخرى وانتظار وإضاعة فرصة لتحقيق حلم الأردنيين بالحصول على مصدر طاقة محلي متوفر وغير مستغل.
المشاريع الوطنية الكبيرة؛ وخصوصا استغلال ثروات الوطن، تتطلب أن تكون الحكومة طرفا فيها لأن في ذلك إظهارا للجدية والمصداقية وضمانا لمؤسسات التمويل والمستثمرين بأن الحكومة والدولة مع الشركات والمستثمرين في السراء والضراء، وأمثلة استكشاف النفط والثروات الطبيعية عديدة في العالم.
فمثلا، لماذا لا تبادر الحكومة بتأسيس شركة وطنية قابضة لتنفيذ مشروع الصخر الزيتي تملك الحكومة نسبة معينة منها (مثلا 10 %- 20 %) وتطلب من شركات الصخر الزيتي، وخصوصا التي حصلت على الاتفاقيات التجارية والشركات التي وصلت الى مراحل متقدمة في مشروعها، أن تدخل في هذه الشركة القابضة بنسب وحصص حسب الاتفاق. تقوم هذه الشركة القابضة بالترويج لمشروع وطني لاستغلال الصخر الزيتي والاستفادة من دراسات الشركات التي تنضوي تحتها والحصول على قروض ودعم وتمويل سواء من مؤسسات مالية (محلية وعربية وعالمية) أو صناديق استثمارية عربية أو عالمية تحت إشراف ودعم وضمان الدولة الأردنية والحكومة باعتباره مشروعا وطنيا، وفي الوقت نفسه تلتزم الشركات المنضوية تحت هذه الشركة القابضة بالالتزامات المالية والتنفيذية للمشروع. وبإمكان كل شركة من هذه الشركات العمل بطريقتها وحسب التقنية المثبتة لديها بتنفيذ مشروع أو أكثر في مواقع الامتياز لهذه الشركات وبإشراف الشركة نفسها وبمتابعة حكومية وتحت أسس واتفاقيات وتقاسم حصص يتفق عليها من قبل الجميع.
ومن نافلة القول، إن العمل في الصخر الزيتي في الأردن يعود الى أكثر من 30 عاما بين استكشاف ودراسات وتحاليل، وتم إثبات احتياطات هائلة، ولكن لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من عمل تجربة ريادية (مصنع ريادي) على أرض الواقع ليكون شاهدا على استخراج الزيت الصخري ومشجعا وحافزا للشركات والمستثمرين للدخول بهذا المجال، هذا عدا عن الفائدة العلمية والتأهيل والتدريب وتوطين التكنولوجيا. ولأسباب عديدة، كانت الحكومات لا تبدي اهتماما لهذا المصدر الحيوي من منطلق تجاري اقتصادي، وهذا صحيح الى حد ما خلال فترة هبوط أسعار البترول عالميا تحت كلفة الإنتاج للزيت الصخري، ولكن العديد من الدول استثمرت وأصرت على الإنتاج من خلال شركات حكومية، حتى وإن كانت بخسارة لأن ذلك ينضوي تحت باب استغلال ثروات الوطن والاستفادة منها وتطوير وتوطين هذه الصناعة المهمة التي سوف يأتي اليوم لتكون مجدية ومريحة اقتصاديا، وأمثلة على ذلك في إستونيا وروسيا والصين وكندا، التي تقدم الآن هذه التقنيات لدول العالم.
* باحث ومتخصص في الصخر الزيتي