نحو نظام عربي جديد

جامعة الدول العربية التي أسست بعد الحرب العالمية الثانية كانت الإطار التنظيمي للنظام العربي-الدولة العربية- ما بعد الحقبة الاستعمارية. لقد كان الغرض من إنشاء الجامعة العربية هو توثيق الصلات بين الدول الأعضاء، وتنسيق الخطط السياسية لتعزيز التعاون فيما بينها بما يخدم مصالح الدول الأعضاء وشعوب المنطقة في المجالات كافة، وتم إنشاء الهياكل التنظيمية لتحقيق الاهداف.اضافة اعلان
بهذا السياق؛ شكلت القمم العربية دلالة رمزية مهمة لصحة الجامعة العربية والعلاقات البينية بينها. بالرغم من الأهداف النبيلة لجامعة الدول العربية، إلا أن الممارسة او التجربة الفعلية أثبتت أن العمل العربي المشترك في هذا الإطار عجز عن تحقيق أهداف ميثاق الجامعة العربية، وباتت هناك قناعة بضرورة إعادة النظر بالجامعة العربية من ناحيتي: الأهداف؛ والآليات الموجودة لتحقيقها. هناك مجموعة من العوامل التي قد تكون ساهمت بعجز جامعة الدول العربية في تحقيق طموح شعوبها ومنها:
أولاً: التباين الكبير في طبيعة الأنظمة السياسية وبناها وهياكلها وآلية صنع القرار بها، ما أدى لاختلاف كبير في الرؤى والمواقف حيال العديد من القضايا والمسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي أضعف قدرة الجامعة على التوصل لتوافقات وحلول جماعية تضمن الحد الأدنى من تطلعات الجميع.
ثانياً: الحرب الباردة التي امتدت منذ تأسيس الجامعة وحتى أواخر الثمانينيات بين المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي سابقاً. لقد كانت الدول العربية مرتبطة بأحد المعسكرين بحيث خضعت الدول العربية لديناميكية الصراع بين الحلفين، وأصبح يسود النظام العربي أيضاً شكل من أشكال الحرب الباردة، وعم التنافس والصراع الخفي، ما أضعف النظام العربي بشكل كبير، وأفقد الجامعة قدرتها على العمل الجماعي. ولم تكن الجامعة قادرة على بلورة موقف موحد للأمن القومي العربي، ما أدى لانكشاف هذا النظام أمام القوى الإقليمية والدولية.
ثالثاً: فشل الجامعة العربية في حل الخلافات والنزاعات بين الدول، ولا سيما اجتياح العراق للكويت العام 1990 وإخراج العراق من الكويت بالقوة. إن فشل النظام العربي في إيجاد حل عربي لاحتلال الكويت بسبب الصراعات الداخلية فتح المجال، وللمرة الأولى، منذ زمن طويل للقوات الأجنبية على الأراضي العربية، وقد شكل ذلك مؤشراً على ضعف النظام العربي.
رابعاً: صعود الأيديولوجيا المدعومة إقليمياً ودولياً التي تتحدى النظام العربي ولا تقبل به، وبخاصة حركات الإسلام السياسي السنية منها والشيعية، وضع النظام العربي او بعض الدول في مواجهات داخلية قاسية أدت الى تفتت بعض الأوطان.
لقد كانت أكبر تجليات هذا التحدي بعد "الربيع العربي" الذي خرج منه  النظام العربي شبه منهار نتيجة للصراع الدموي والتدخل العسكري الإقليمي والدولي في الدول العربية.
خامساً: الصراع العربي الإسرائيلي والعدوان الإسرائيلي المستمر على الدول العربية، واستمرار احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وعدم قدرة النظام العربي على مواجهة إسرائيل وإنهاء احتلالها للدول والأراضي العربية.
بدون الإفراط بالتفاؤل، فقد تشكل القمة العربية التي ستعقد بعمّان بنهاية هذا الشهر نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من العلاقات العربية. والأردن من الدول العربية القليلة التي تتحلى بالدافعية السياسية والتي حافظت على اعتدالها وتوازن سياساتها حيال الملفات الإقليمية الساخنة في الدول المحيطة بها، واستطاعت أن تحافظ على علاقات طيبة مع أغلب الدول العربية. وبهذه الروح، فقد عملت الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني على ترطيب العلاقات وإنهاء الخلافات بين بعض الدول العربية الشقيقة، والمساعدة على التخلص من الاحتقانات التي تسود العلاقات بين بعض الدول، وذلك من أجل تهيئة الظروف لإنجاح القمة ولو بالحد الأدنى.
بالإضافة لذلك، فإن الحضور المميز للقمة على مستوى رؤساء الدول يعبر ليس فقط عن المكانة التي يحظى بها الأردن وإنما أيضا لرغبة الدول العربية في بداية  جديدة للعلاقات العربية، وبخاصة بعد أن شارفت الحروب الداخلية في سورية والعراق على نهايتها.
هذه ليست دعوة للإفراط بالتفاؤل، ولكن قليلا من التفاؤل قد يكون ضرورياً للخروج على الأقل بالحد الأدنى من القرارات التي تعيد التوازن للنظام العربي على أمل أن يشكل ذلك بداية لمرحلة جديدة.