نخب آيلة للسقوط تلعب في الوقت الضائع

كل يوم نعيش عشرات الأحداث والأمثلة التي تؤكد أن القيادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما المؤسسات والشركات التقليدية لم تدرك بعد التحولات الاجتماعية والثقافية المصاحبة للشبكية حتى شركات الاتصالات لا تبدي استيعابا حقيقيا مكافئا لثورة الاتصالات وتحول نفسها إلى شيء من الماضي لا تفيده كثيرا تكنولوجيا الاتصالات والمعرفة!اضافة اعلان
والحال أنه يصعب إن لم يكن يستحيل أن ندرك على نحو واضح وحكيم التشكلات الاجتماعية والاقتصادية القادمة حول الشبكة والمعرفة وما ينشأ عنها وحولها من مدن وموارد وأعمال، لكننا نملك اليوم رؤية واضحة لمسارات وتحولات العالم الذي تشكل منذ القرن السابع عشر، وقد نستطيع أن نحيط بالعبر والدروس التي تساعدنا في إدارة مرحلة مقبلة مجهولة بالنسبة الينا أو مختلفة عن الحاضر اختلافا جذريا.
لقد كانت الحياة المعاصرة اقتباسا وتعميما لحياة النبلاء وقادة العصور الوسطى، صحيح أن العصور الرأسمالية والصناعية قضت على الإقطاع والطبقات الأرستقراطية، لكن القادة الجدد من الحكام ورجال الأعمال والمثقفين أعادوا حياة القصور والقلاع في مدن وبيوت وأساليب حياة لم يكن تعيشها الأغلبية الكبرى من الناس، وقد يكون لافتا على سبيل المثال أن تحسّن المعيشة والصحة وانخفاض وفيات الأطفال وارتفاع معدلات العمر يردّ كما يلاحظ لويس ممفورد إلى تطور التغذية وعادات النظافة لدى الناس أكثر من التطور التكنولوجي والعلمي، لكن السؤال البديهي الذي يطرح نفسه وما الذي منع الناس أن يحصلوا على النظافة والغذاء من قبل؟ فمن الواضح أن علاقتهما بالعلم التكنولوجيا ليست حتمية، ولماذا لم يكن لدى الناس بيوت بحجرات متعددة وحمامات ومطابخ مستقلة توفر النظافة والخصوصية والتهوية والإضاءة والتدفئة؟ لماذا لم يدركوا إلا متأخرين أن في مقدورهم تغيير حياتهم عبر تغيير مواقفهم الذهنية؟ ويعتبر وليم جيمس ذلك ثورة تفوق ثورة الطب والعلوم والصناعة، لكن لا مناص من ربط ذلك الوعي المتشكل بالثورة الصناعية والتقدم العلمي، وفي ذلك ما يدعونا إلى القول إن أفكارا ومدنا وأساليب حياة سوف تتشكل يصعب التنبؤ بها أو ربطها منطقيا بالشبكية واقتصاد المعرفة!
قادت العالم في عصر النهضة ثم الصناعة طبقة جديدة من التجار والبنوك والشركات والمغامرين والمستكشفين والعلماء والمخترعين، كان حلم الناس جميعا أن يكونوا مثل النبلاء وأصبح في مقدورهم ذلك، أو على الأقل أن يكون لديهم قدرة على مشاهدة ومتابعة حياة النبلاء من خلال الإعلام والسينما، لكن نشأ أيضا وفي موازاة نموذج النبلاء أو على أنقاضه نموذج الطبقة الوسطى التي تلهم الفقراء والكادحين كما الأغنياء الذين يحتاجون أيضا أن يكونوا جزءا من المجتمعات وأن يشاركوا فيها ويديروا فيها مصالحهم وطموحاتهم.
بمقدورنا اليوم أن نلاحظ نهايات المؤسسات والطبقات السائدة اليوم، فالبنوك التي أُنشئت لأجل الأثرياء لم تعد تلائم التمويل الاجتماعي الصاعد والمتمرد على التوزيع القائم للموارد والفرص، ومؤسسات الاتصالات التي أنشئت لأغراض تنظيمية لم تعد تلائم تداول المعرفة واستخدامها وتنظيم الاعمال الهائلة والشاملة في شبكة الانترنت، والمدارس التي أنشئت لتنظيم المجتمعات وتشكيلها أصبحت عديمة الجدوى، والجامعات التي أنشأتها النقابات للتدريب والتطوير المهني أو المؤسسات الدينية أو طبقات النبلاء لأجل خدمة الفنون والآداب أصبحت عبئا على المعرفة والمهن بل وتعمل ضد أهدافها وروايتها المنشئة.
اليوم أو في غد القريب تصعد المجتمعات مدفوعة بالشعور بالقدرة على الاستقلال والتأثير وإدارة احتياجاتها وأولوياتها بدون المؤسسات والطبقات السائدة والتي تحولت في نظر المجتمعات إلى طفيليات تكره الناس والمدن وتخرج من المجتمعات بل ومن العالم، ولم يعد ممكنا إعادة الأوضاع وعلاقات الفرص والتنظيم الاجتماعي والسياسي إلى ما كانت عليه، .. يبدأ الخروج من الأزمة بعقد اجتماعي جديد ومختلف يجري التفاهم والتعاقد عليه بوضوح ومساواة وليس بالإخضاع والإذعان!