نريد أسواقا لا حلفاء

"نحن بلد بلا حلفاء عرب أو إقليميين". مثل هذا التوصيف السياسي يمكن أن تسمعه اليوم من مسؤول حكومي رفيع المستوى، أو من معارض سياسي، وفي أحيان كثيرة تجد له صدى في أوساط عامة الأردنيين.اضافة اعلان
لا اختلاف تقريبا بين مختلف الاتجاهات على هذا التشخيص لواقع الحال، لكن الخلاف حول الأسباب التي وضعتنا في هذا الموقف. هناك من يرى أن السياسة الخارجية للأردن في السنوات الأخيرة هي التي أفقدتنا الحلفاء. أما الاتجاه الآخر فيؤمن بأن خسارتنا للحلفاء هي نتيجة طبيعية لمواقفنا السياسية التي نأت بالأردن عن حالة الاستقطاب الحاد والالتحاق بتحالفات إقليمية وعربية كانت وما تزال تخوض حروبا طاحنة في المنطقة.
أميل بقوة للرأي الثاني، ولا أجد مبررا لسلوك البعض المتشفي الذي يسوق مقولة "بلا حلفاء" كدليل إدانة لسياسة الأردن الخارجية ومقارباته لصراعات المنطقة وحروبها.
المفارقة أن بعض ساستنا وقبل أن يخلصوا مؤخرا إلى هذا الاستنتاج، كانوا حتى وقت متأخر يشيدون بحكمة السياسة الخارجية للمملكة وحسن إدارتها لمصالح البلاد في منطقة تطحنها الصراعات. وتغزلوا في مناسبات عديدة برجاحة عقل الدولة التي جنبتنا الانزلاق في الأزمة السورية، وما أفرزته من ويلات وصراعات تجاوزت حدود الإقليم. والمعنى ذاته حضر في وصف موقفنا الحذر من الحرب في اليمن، وعدم اتخاذنا خطوات تصعيدية وعدائية في الأزمة الخليجية ومن قبل مع إيران.
وعلى مستوى أكبر، ثمة من يطالب الدولة بقطع علاقاتها مع واشنطن؛ أكبر المانحين للأردن وأهم شريك دولي، وفي ذات الوقت يأخذ على السياسة الخارجية انعزالها بلا حلفاء!
لقد خسرنا بسبب هذه السياسة المتوازنة وبتنا بلا حلفاء كما يقال. لكن كنا سندفع أثمانا باهظة لو اخترنا التموضع أو الارتماء في حضن التحالفات الطيعة.
مع ذلك كله ينبغي أن لا نحمل جدلية التحالفات أكثر مما تحتمل. كل دول المنطقة سواء الملتحقة بأحلاف أو خارجها تكبدت خسائر سياسية ومادية كبيرة جراء الظروف غير المسبوقة التي تمر فيها منطقتنا، والتي تزامنت مع تحولات جوهرية في توجهات الدول وأولوياتها، أملته ظروف داخلية لتلك الدول، كما الحال في دول الخليج الغنية التي واجهت أوضاعا اقتصادية صعبة مع تدني أسعار النفط، فرضت عليها تبني سياسات تقشفية، ومراجعة جذرية لهيكلها الاقتصادي.
ومن يراقب حركة الاتصالات الدبلوماسية في منطقتنا وفي الدائرة العالمية الأوسع، يلاحظ أن الأسس التي تقوم عليها العلاقات بين الدول في طور التحول. لم تعد التحالفات قائمة على المبادئ السياسية إنما على المصالح. بمعنى آخر هناك تحالفات أسواق تتشكل على حساب التحالفات التقليدية. روسيا التي كانت حتى وقت قريب على خلاف مع السعودية وقطر، تنسج حاليا مع البلدين شراكات اقتصادية عميقة، وتبرم صفقات بمليارات الدولارات.
تركيا ودول الاتحاد الأوروبي تسير على نفس النهج، تابعوا جولات أردوغان وماكرون. وفي سورية تبدي دول مثل روسيا وإيران اهتماما بالشراكات الاستثمارية أكثر من التطورات السياسية، وتسعى لتوظيف نفوذها السياسي لمصالح اقتصادية.
علينا في الأردن أن نفكر بالأسواق من حولنا لا بالحكومات، ونطور علاقاتنا مع الجميع وفق مصالحنا الاقتصادية أولا. باختصار لا نريد حلفاء بل أسواق للتجارة والصناعة والزراعة واستثمارات في كافة المجالات.
سياستنا الخارجية المتوازنة تمنحنا فرصة الانفتاح على الجميع.