نساء السويد!

 

شقراوات فاتنات، بعيون زرقاء وقامات فارعة هكذا هي الصورة المسبقة في الذهن عن النساء في السويد، ولم تكن مضيفتنا كذلك.

كان موعدنا المسائي في استكهولم مع مسؤولة القطاع النسائي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي حكم السويد لأكثر من اربعين عاما صانعا أرقى نموذج للديمقراطية والرفاه الاجتماعي في العالم. وكان مقر الحزب خاليا تقريبا لأن اليوم التالي عطلة وطنية بمناسبة أطول يوم مشمس في السنة. كانت درجة الحرارة 9 مئوية ونحن في اسبوع ذروة الصيف ويعتذر المضيّفون أن الأمر ليس دائما كذلك!

اضافة اعلان

استقبلتنا في القاعة المخصصة سيدة ذات شعر أسود كثّ مربوعة القامة، متواضعة الهندام، فاعتقدت أنها عاملة أجنبية في المقر، حتى جلسنا، فتوسطت الآخرين قبالتنا ورحّبت بإنكليزية طليقة فاكتشفنا انها زعيمة نساء السويد، وهي كردية الأصل، جاءت مع أبيها طفلة، وهي الآن أم لولد وفتاة حضرا اللقاء وأكلا معنا التورته الموجودة على الطاولة وتحرص هي وزوجها، كما تقول، على تربيتهما على الاعتزاز بهويتهما كمسلمين وأكراد إلى جانب مواطنتهم السويدية، وهي كانت نائبا في البرلمان لعدّة دورات لكنها بوجود طفلين قررت أن تترك عضوية البرلمان! والتفرغ لزعامة المنظمة النسائية للحزب فهي أهم لها، كما قالت.

ماذا لدى النساء السويديات ما يستوجب النضال بعد؟! قالت محدثتنا أن النساء يحصلن مثلا على إجازة أمومة 18 شهرا، وبراتب مدفوع بنسبة 80% لكن، هذا العبء يدفع الشركات للتمييز ضدّ النساء في التوظيف، فكان اقتراح الزعيمة النسائية أن تكون إجازة الأمومة قابلة للمنح لأي من الأب أو الأم على قدم المساواة، ويمكن تقاسمها بينهما بأي نسب، فقد تقرر الأم ان تبقى في العمل ويأخذ الأب اجازة الرعاية للطفل كاملة، أو قد تأخذ الأم الأشهر

الأولى، ثم يكملها الأب، ويعود ذلك للزوجين أن يقررا!

بهذه الطريقة ينتهي التمييز ضدّ المرأة، لأن الاجازة لم تعد تخص جنسا دون الآخر. وقد وقف أمين عام الحزب السابق ضدّ هذا الاقتراح لأنه، كما قالت محدثتنا، صاحب عقلية محافظة، وقد تصادمت معه وتحدته قائلة "انا سأبقى وانت سترحل"، وتضيف ضاحكة وبلهجة تظهر شخصيتها القوية والعنيدة "ها انا امامكم وهو رحل وأنا متفائلة الآن بإقرار هذا الاقتراح".

الطبع القيادي لدى هذه المرأة لم يكن طارئا إذا عرفنا أنّ والدها كان قياديا في حزب جلال الطالباني، ويمت له بصلة قرابة. لكن أي صفات قيادية يمكن أن تجعل من امرأة وافدة من بلد وعرق ودين آخر زعيمة لنساء بلد يتمتعن أصلاً بمشاركة لا مثيل لها أكان في سوق العمل أم السياسة حيث 52% من نواب الحزب في البرلمان من النساء. لا بدّ أن ثقافة انسانية رفيعة جداً هي التي تسمح لفتاة كردية أن تصبح أهم زعيمة نسائية سويدية، هذا مع التذكير أنّ كرديا هو الذي قام في حينه باغتيال أولف بالمه، زعيم الحزب التاريخي الذي ما زال السويديون يبكونه، وقد أطلق سراح القاتل لاحقاً لشبهة التضارب في بعض الشهادات!

[email protected]