نساء على ذمة ‘‘التوقيف الإداري‘‘: حياة تهدرها القضبان بذريعة الحماية

مركز اصلاح وتاهيل الجويدة للنساء في زيارة سابقة لـ"الغد" للمركز - (تصوير: محمد ابو غوش)
مركز اصلاح وتاهيل الجويدة للنساء في زيارة سابقة لـ"الغد" للمركز - (تصوير: محمد ابو غوش)

نادين النمري

عمان- "15 سنة راحوا من عمري وأنا بالسجن، مع إني ما غلطت، بس الكل كان يقلّي طلعتك من هون مستحيلة، كنت أقول لحالي رح أطلع من هون محمولة على المقبرة".. هذا ما تقوله ناجية من جريمة قتل أسرية.
وتضيف عبير(اسم مستعار): "كل ما أتمناه اليوم أن يلغى التوقيف الإداري في السجن، صحيح أن المعاملة كانت مليحة كثير، لكني ما اقترفت ذنبا حتى أسجن".
وروت السيدة الخمسينية قصتها في لقاء نظمته مجموعة القانون لحقوق الإنسان (ميزان) مع لجنة المرأة في مجلس الأعيان أول من أمس، حيث جمع اللقاء الذي حضرته "الغد"، أعضاء اللجنة بمجموعة من النساء اللواتي تم توقيفهن إداريا سابقا.
تقول عبير: "كنت مع أختي الصغيرة بالبيت، وكان عمرها 16 سنة، صارت أختي تصرخ وما عرفت مالها، طلعت فيها على المستوصف وهناك ولدت، وقتها رجّعنا أخوي عالبيت طخ علينا.. ماتت أختي بحضني وأنا فقدت الوعي".
وهكذا حمت الإرادة الإلهية الشقيقة الكبرى، التي أمضت فترة طويلة في المستشفى نتيجة إصابتها بعيار ناري، وبعد ذلك تم نقلها إلى مركز إصلاح وتأهيل النساء تحت مسمى "موقوفة إداريا".
ورغم إسقاط عبير حقها الشخصي في القضية، لكن أسرتها رفضت التواصل معها أو الإصغاء لها، معتبرين أنها "تسترت على حقيقة حمل الشقيقة الصغرى".
وفي هذا الصدد تقول عبير: "ما كان إلي علاقة أو معرفة بالموضوع سوى لحظة الولادة، انقتلت أختي وأنا تصاوبت وانحبست، أصلحت العائلة مع عائلة الجاني، بس الجاني نفسه ما بعرف وينه".
ولسنوات طويلة انقطعت عبير عن عائلتها تماما، وقبل وفاة والديها بفترة تواصل الأب والأم معها، لكن استمرت القطيعة مع الأشقاء.
وفي العام 2005، أسست "ميزان" تحالفا أردنيا لمساعدة الموقوفات إداريا والنساء اللواتي يعانين خطرا، والذي تشكل من عدد من المنظمات والهيئات التطوعية العاملة في مجال حقوق الإنسان والمرأة، وممثلين عن دوائر ومؤسسات حكومية.
وتبع إنشاء التحالف، مشروع "بداية جديدة" العام 2006 الذي نفذته المجموعة ويهدف لمساعدة الموقوفات إداريا والنساء المهددات، عبر تمكينهن اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا للاندماج في الحياة مجددا، وعرضت مديرة السجن على عبير الاستفادة من البرنامج.
كانت عبير ضمن المجموعة الأولى من النساء اللواتي استفدن من المشروع، وفي العام 2007 تمكنت أخيرا من الخروج من السجن والعيش حياة مستقلة، بعد أن خضعت لفترة إعادة تأهيل استمرت عاما ونصف العام، لإعادة دمجها في المجتمع.
وتقول مديرة مجموعة ميزان المحامية إيفا أبو حلاوة: "يتم تبرير حجز النساء بنص المادة 3 من قانون منع الجرائم، لكن الواقع أن الاحتجاز يخالف النص القانوني، خصوصا أن القانون يتحدث عن توقيف الشخص المشتبه باقترافه جريمة، وليس حجز الضحية المحتملة".
وتنص المادة 3 من القانون، على أنه "يجوز توقيف كل من وجد في مكان عام أو خاص في ظروف تقنع المتصرف بأنه كان على وشك ارتكاب أي جرم أو المساعدة على ارتكابه، وكل من اعتاد اللصوصية أو السرقة أو حيازة الأموال المسروقة، أو اعتاد حماية اللصوص أو إيواءهم أو المساعدة على إخفاء الأموال المسروقة أو التصرف فيها، وكل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة خطراً على الناس".
وتشير أبو حلاوة إلى أن متوسط عدد النساء الموقوفات داخل السجون لأسباب تتعلق بالتوقيف الإداري، حماية لحياتهن، يبلغ نحو 50 سنويا، فيما بلغ العدد العام الماضي 67 سيدة".
وتضيف: "منذ انطلاق مشروع بداية جديدة ولغاية العام 2014، قدمت ميزان مساعدة لنحو 64 امرأة رهن الاحتجاز الوقائي في مراكز الإصلاح وتأهيل النساء، من خلال الإفراج عنهن وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني لهن".
ووفرت ميزان ملجأ مناسبا وآمنا لهؤلاء النسوة، حيث تم تخصيص فترة 18 شهرا لإعادة تأهيلهن عبر توفير الخدمات القانونية والطبية والنفسية والاجتماعية ودورات تدريب مهني لهن.
وتضيف: "رغم أن فترة إعادة التأهيل تم تحديدها من قبل الأخصائية النفسية بنحو 18 شهرا، لكن في حال طلبت المنتفعة المغادرة قبل انقضاء الفترة فالقرار لها"، مؤكدة في هذا السياق أهمية احترام الرغبة الشخصية للمنتفعة.
وتقول: "من خلال تعاملنا مع حالات كثيرة، فإن إنهاء التوقيف الإداري للنساء أمر ممكن مع ضمان حمايتهن"، مضيفة: "تحتاج العائلات إلى دعم ومساندة اجتماعية ونفسية لإيجاد حل للمشكلة، فالتوقيف الإداري لا يساهم في الحل".
وتتابع: "نتيجة لتلك الخبرة أطلقت (ميزان) مشروع التوقف عن احتجاز النساء المعرضات للخطر وقائيا، من خلال إنشاء بدائل لحمايتهن".
وتؤكد أهمية توفير خدمات قانونية ودعم نفسي واجتماعي وخدمات المشورة للنساء المعرضات للخطر، وكذلك أطفالهن وأسرهن، وتتضمن المساعدة القانونية الدعم والمشورة ومتابعة الضحايا أمام المحكمة وتقديم المشورة مع عائلاتهن وشركائهن.
وترى أن إنشاء هذه الخدمة يساعد الأسر على تسوية النزاعات للنساء المعرضات للخطر، وأن أهم ما في أي مبادرة لإلغاء التوقيف الإداري أن تأخذ بعين الاعتبار رغبات واحتياجات هؤلاء النساء دون فرض أي حلول أو بدائل غير مريحة لهن، كما أن هناك ضرورة ماسة لتوفير الدعم طويل المدى لهن ولأسرهن.
فيما قالت عضو لجنة المرأة في مجلس الأعيان فداء الحمود انه "رغم عملي لسنوات طويلة كقاضية لكني ذهلت من  فترات التوقيف الطويلة للنساء"، لافتتة الى ان التوقيف ولهذه المدد "يعتبر انتهاكا لحقوق الانسان".
وبعد اللقاء مع النساء، تقدمت الحمود بسؤال للحكومة حول عدد النساء الموقوفات اداريا، وعدد التوقيف والملف الشهرية.
وقالت: "مع التوجه لإنشاء دور حماية للنساء المعرضات للخطر علينا تلافي الأخطاء السابقة، وان يكون المعيار احترام رغبة النساء وحقهن في الحرية".
أما عضو اللجنة، وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة هالة لطوف فاعتبرت أن تجربة مشروع "بداية جديدة" تعد مؤشرا إيجابيا لنجاعة التعاون بين المؤسسات الرسمية، كوزارتي الداخلية والتنمية من جهة والمؤسسات المعنية بحقوق المرأة والإنسان من جهة اخرى.
واكدت لطوف أهمية الاستفادة من هذه التجربة التشاركية عند تطبيق نظام دور إيواء النساء المعرضات للخطر، مبينة ان التجربة "أثبتت إمكانية التخلي عن فكرة التوقيف الإداري عبر العمل على التأهيل والدمج والمصالحة".
من ناحيتها، اكدت رئيسة لجنة المرأة في مجلس الأعيان تغريد حكمت على اهتمام اللجنة الخاص بقضايا حماية النساء من العنف، وعلى رأس هذه القضايا مسألتا التوقيف الإداري والمادة 308 من قانون العقوبات.

اضافة اعلان

[email protected]