أفكار ومواقف

نساء

د.لانا مامكغ

الأولى:
أهدتها ابنتُها محفظةَ نقودٍ جميلة، فلّما قرّرت استخدامَها، كان عليها التّخلّصُ من القديمة، لأنّها لا تحبُّ الاحتفاظَ بأشياء لا تستخدمُها، قلّبتها بين يديها بحيْرة، بدت جديدةً لكن مستعملة، ماذا عساها أن تفعلَ؟

فكّرت قليلاً، إلى أن قرّرت وضعَها خلسةً على طرف الشّارع عسى أن يجدَها طفلٌ أو رجلٌ محتاج، لكنّه سيلتقطها بلهفة متوقّعاً أنّها تحوي نقوداً…

هنا، اضطربت، إذ تخيّلت الخيبةَ التي سترتسمُ على وجهه، فخجلت من نفسها… لتبادرَ فوراً بوضع بعض الدّنانير فيها، وابتسمت وهي تتخيّلُ الفرحة التي سيشعرُ بها من يجدُها، وهكذا، نفذّت الخِطّةَ البسيطة وهي سعيدة!

الثّانية:
وصلَها مبلغٌ غيرُ متوقّعٍ من النّقود، دينٌ قديم كانت قد نسيته، وقرّر المدينُ تسديدَه فجأة، فاحتارت في كيفية التّصرّف به، خطرَ لها أن توزّعَه على الأبناء؟

لكنَّ شيئاً في داخلها أوعزَ لها بغير ذلك، إذ قضت سنواتِ عمرها وهي تنفقُ عليهم، وتساعدُهم مادّيّاً قدْرَ استطاعتها، وصاروا رجالاً الآن، ومكتفين نسبيّاً، ومن حقّها أن تنفقَ المالَ على نفسها هذه المرّة.

ظلّت تفكّرُ، إلى أن لمحت وجهَها في المرآة ذات صباح، لتتساءلَ عن إمكانية إصلاح ما يمكن إصلاحُه في ملامحها بعد أن تركت الجاذبيّةُ الأرضيّةُ آثارَاً غيرَ سّارة في أنحاء وجهها… تحمّست للفكرة، وكادت تشرعُ في تنفيذها، إلى أن زارها خاطرٌ ذات ليلة عن يوم الحساب…

كيف ستبرّرُ إنفاقَها لذلك المبلغ على عمليّة شدٍّ وتجميلٍ وهُراء… ستخجلُ حتماً من تفاهتها، وهكذا، عدلت عن القرار، وبدأت بالتّواصل مع إحدى الجامعات للبحث عن بعض الطّلبة المتفوّقين من غير القادرين على سداد أقساط الفصل الدّراسي المقبل، لمّا تذكّرت أنّها كانت منهم ذات زمن… فدفعتها عنهم تحت عنوان « فاعلة خير» لتخرجَ من التّجربة كلّها سعيدة ومرتاحة الضّمير!

الثّالثة:

خلال خِطبتهما، كان يزورُها بكامل أناقته وبهائه، فكانت مبهورةً طوال الوقت بوسامته؛ بعطرِه الرّجولي الأخّاذ، وحلاقته المتقنة، وشعرِه الّلامع المصفّفِ بعناية!

بعد الزّواج، صارت تراه بأحواله كلّها… إلى أن خطرَ لها ذات صباح أن تلتقطَ صورةً له لحظةَ نهوضه من السّرير بعينيه الذّابلتين، وذقنه النّامية، وشعرِه المنكوش، وبيجامته المتهدّلة!

ثمَّ وضعت تلك الصّورةَ على هاتفها مرفقةً برقمه، حتى صارت تظهرُ لها في كلِّ اتّصالٍ منه، لتردَّ عليه وهي تحاولُ كتمَ ضحكتها!

مرّت سنوات على ذلك، حتى وجدته يقولُ ذات مرّة: « هل تعلمين ما أحبّه بكِ؟ إنّه صوتُكِ حين تردّين على مكالماتي، إذ تبدين لي دائماً أنّكِ سعيدةً باتّصالي!»

ابتسمت له، واحتضنت يده بحنو، لتسرحَ قليلاً وهي تقول في سرّها: « حمداً لله أنّي وجدتُ بكَ ما أحبّك لأجله بعيداً عن وسامتك المزعومة يا صديقي…»

وبعد، هنَّ نساءٌ بسيطاتٌ عاديّاتٌ يعشن بيننا، قد لا يلفتن نظرَ أحد، لكنّهنَّ يملأن الدّنيا محبّةً وطيبةً وظرفاً وبهجة.

المقال السابق للكاتبة

أقسى لحظة!

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا 

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock