نشيوات.. ملايين الأردنيين عطاشى

لم تهدأ مواقع التواصل الاجتماعي منذ يومين. سكان هذا الوطن تناقلوا بنهم كبير خبر تعيين البيت الأبيض للأميركية من أصول أردنية جوليا نشيوات في منصب مستشارة الرئيس الأميركي للأمن الداخلي الوطني.اضافة اعلان
البعض ذهب للتساؤل عن الولاء والانتماء، هل سيكون لأميركا أم للدولة الأم (الأردن)، ولم يتوان آخرون عن الطعن بها، وكأن من يختصر منجز نشيوات بهذه الجزئية أكثر حبا للوطن، أو كأنهم كانوا سيفوتون فرصة من هذا القبيل حبا لتراب الأردن!
نعم أميركا ليست كالأردن، من حيث المحسوبية والمناطقية والواسطة، فهي دولة مؤسسات، تختار لموقع المسؤولية من يستحق ومن يمتلك القدرة على العمل، ويتمتع بإرادة حقيقية لوضع بصمته الخاصة في عمله، دون تذمر أو العيش في وهم الاستهداف والظلم.
ومن هذا المنطلق، استطاعت نشيوات العمل بجد، وبذلت جهدها لإثبات ذاتها وتميزها، لتصل بعدها إلى هذا المنصب المهم في بلد الأحلام والفرص. وربما هي لن ترضى أن تتوقف عند هذا الحد من الطموح، بل ستواصل الصعود في تحقيق قائمة أحلامها.
في المقابل، من حق الباحثين عن فرصة لإثبات الذات في بلدي، والمتعطشين لإبراز قدراتهم وإمكانياتهم في تحمل المسؤولية والقيادة، أن يشعروا بالغبن مما حققته نشيوات في أميركا، وربما تساءلوا: هل كان من الممكن لها أن تحقق شيئا في الأردن؟
لكن أولئك ينسون بالتأكيد أن تلك السيدة لم تصل إلى ما وصلت إليه لأنها، فقط، تعيش في الولايات المتحدة، أو لأنها حملت جنسية تلك البلاد.
لا شك، ومن خلال قراءة سيرتها الذاتية سواء العملية او العلمية، فإن نشيوات ذات الجينات الأردنية عملت بكد وجهد وصبر لتكون ما هي عليه اليوم، لم تركن إلى صداقة مسؤول، أو تتكئ على صلة قرابة، أو تنتظر من يقفز بها درجات السلم الوظيفي دفعة واحدة، لتصل إلى المناصب العليا.
ما وصلت إليه هذه السيدة طبيعي ومبرر بالنظر إلى شهاداتها الأكاديمية، والتسلسل الطبيعي لمسارها الوظيفي، وصولا إلى المنصب المهم الذي تبوأته مؤخرا، فلا يمكن أن يكون هناك أي قفز إلى الأمام من دون عمل أو جهد أو تميز.
في حالة نشيوات درس للدولة وللإنسان الأردني، فالأولى عليها حقا الإسراع بإنصاف المجتهدين والطامحين من الشباب، وفتح النافذة أمامهم للانطلاق، وتحقيق العدالة في المناصب القيادية والعليا في الدولة، وعدم تدويرها لتكون بمثابة كوتات خاصة، أو مناصب إرضائية. أما الأردني، فعليه الكف عن العيش في كنف العجز والاستسلام، فالحق يؤخذ ولا يمكن أن يهبه أحد لأحد. والأهم من ذلك، على كل طامح بأن ينافس على الوظائف القيادية أن يتسلح بالعلم والخبرة، وأن يبذل الجهد اللازم الذي يوازي طموحه ذلك.
وحتى لا ننكر على الوطن حقه، ففي الأردن دون غيرها نماذج للتعدد والتنوع وتجاوز الأصول والفروع، فهناك العديد من الشخصيات التي تسلمت أعلى المراتب، وهم كانوا حصلوا على الجنسية الأردنية لاحقا، فأصبح من حقهم المنافسة على تلك المناصب لأنهم أصبحوا أردنيين، ويحق لهم ما يحق لأي أردني.