نصيب الأسد

في كل مرة نتحدث فيها عن اللامساواة أو الطبقية نستخدم اقوالا وتعابير لتوضيح السياق والمقصود بالمفهوم والمعنى المحدد الذي نرمي اليه. اللامساواة التي نشهدها تطال كل شيء. السلطة والمال والنفوذ والجمال والكرامة والادوار وغيرها من موضوعات الرغبة الانسانية. من وقت لآخر وعندما نجد ان احدا او جماعة استحوذت على اكثر مما تستدعيه الاحوال الطبيعية او عند استخدام البعض للقوة او التلويح بها لإرغام الآخرين على القبول بتوزيع غير عادل للثروة او السلطة او سواها مما يشترك فيه الجميع نقول ان فلانا قد "أكل الأخضر واليابس" او" بلع الارض وما عليها" وفي الحالات الاقل وحشية نقول انه "قد تحصل على نصيب الاسد". الاصول البيولوجية والغريزية لهذه التشبيهات مرتبطة بالتجربة الانسانية في المراحل الاولى لوجوده على الارض وهو يحاول ان يجد له مكانا في النظام البيئي المتداخل. فقد كان عليه ان يجد ما يكفي من الطعام لكي يستمر في العيش ويتخلص من الخصوم والاعداء ليؤمن استقراره ويتمكن من التفكير والتوسع. الحقيقة التي لا تحتمل الجدل ان التفاوت والتنوع سمات وخصائص عامة نجدها لدى الانسان والحيوان على حد سواء. فهي ظاهرة ارتبطت بالتنوع واصبحت متجذرة بعد ان عاشها المجتمع في بداياته الاولى وعندما احتاج افراده الى القوة البدنية والذكاء للحصول على الطعام والتغلب على المنافسين والاعداء. في السياسة والرياضة والتجارة والتملك والتعليم ومختلف انواع القدرات والخصائص يوجد تفاوت ولا مساواة فهناك من يملك السلطة المطلقة والمال الوفير وهناك من يتمتع ببنية جسدية قوية ووسامة لا تضاهى كما ان هناك الاصحاء والمرضى وهناك الاذكياء والمهرة والمتملقون والسحرة. بعض الاشخاص لا يعون وجودهم الا من خلال من يتبعون. غالبية هؤلاء يضعون انفسهم في خدمة غيرهم ويستمتعون في العيش ويجدون الحماية من لدن من يملك الثروة او الجاه او السلطة فيعززون قوته ويشكلون ادوات مهمة لحماية ما لديه ومنع الآخرين من تحدي الواقع او العبث بالمكتسبات. التطور السريع للفكر الذي صاحب عمليات التفاعل الداخلي بين الجماعة والصراع الدائر مع الجماعات الاخرى اظهر اهمية القوة وولد لدى الافراد الدافع لاكتسابها والطقوس اللازمة للتعلم والتدريب والاشهار لها كما خلق مسارات متعددة لتنمية عناصر القوة وتنويع تقنيات استخدامها واشهارها وتسويقها. الرتب والأوسمة والالقاب والكنى مصطلحات ترمز الى مستويات من القوة والنفوذ ومراكز تستوجب التقدير والعرفان. في جميع الاحوال يحدد مستوى المكافأة التي يحصل عليها الفرد داخل مجتمعه في ضوء تقدير الجماعة لقيمة ما يقدمه الفرد من خدمة. ففي ألمانيا كان المنظرون اهم من بقية الفئات ولدى اليونان كان الفلاسفة ولدينا يستحق الشيوخ اكثر مما يستحق العامة. عبر التاريخ الانساني تأسست الملكيات على اساس القوة والقيمة التي تعنيها للأمة او الجماعة فقد استحق الامراء اقطاعيات واسعة تتناسب وفروسيتهم وقيمهم ورمزيتهم ونال اعوانهم ومحاسيبهم ما يكفي لإرضائهم والإبقاء على ولائهم وطاعتهم في حين ترك العامة لخدمة هذه الطبقة بعد ان جرى اخضاعها بالقوة والعقيدة والحرمان. حتى اليوم لا توجد شواهد على ممانعة العامة لحصول بعض افرادها على نصيب اكبر من الارض والمال والشهرة والاهتمام شريطة ان ترقى اعمال وخدمات وتضحيات هؤلاء الافراد الى المستوى الذي يتكافأ مع ما يحصلون عليه. في الحالات التي توقفت فيها الطبقات المتنفذة عن العطاء وبناء القوة وتعزيز الكيان الجمعي وحصلت ثورات أدت الى تغيير جوهري في البنى والوظائف والتوزيع للثروة كما حصل في فرنسا لويس السابع عشر وروسيا القيصرية وجميع الثورات ضد المستعمر في البلدان التي طالبت باستقلالها. بالعودة الى مقولة نصيب الأسد ينبغي ان نتذكر ان الاسود كائنات كسولة ومستغلة فهي لا تعمل ولا تجتهد لكنها تستخدم مخالبها وأكفها وانيابها للبطش والإخافة والتهديد فتدفع بضعاف الحيوانات بعيدا عن الفرائس التي تستحوذ عليها وتكون سعيدة ان نجت بروحها.اضافة اعلان