نضال المرأة في ثورة الإعلام!

تجربة الزميلة جمانة غنيمات، رئيس تحرير صحيفة "الغد"، لا تختلف عن نضال أيزغي باسران التي تقود الموقع الإلكتروني لصحيفة "راديكال" الليبرالية في تركيا، كما تتقاطع مع يوميات فريال حفاجي في جنوب أفريقيا؛ أول امرأة ترأس صحيفة سياسية يومية اشتهرت بمقاومة الفساد والفاسدين.اضافة اعلان
فالزميلات الثلاث تحدّين الحواجز السياسية والقانونية والمجتمعية والثقافية التي تعترض سبيلهن في قطاع يخضع لسيطرة الرجل حول العالم؛ سواء في الديمقراطيات العريقة، أو دول التحول، أو التي تقبع تحت نير الأنظمة البوليسية.
بإصرارهن المتنامي، كسرت هذه النماذج الصورة النمطية عن المرأة بأنها "ناقصة عقل ودين"، ولا يحق لها اعتلاء مناصب قيادية حساسة تساهم في تشكيل الرأي العام، إلا  بروتوكوليا وموسميا، في يوم وحيد كل عام بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة العالمي.
قرّرت رئيسات التحرير الاستثنائيات أن "النجاح وحده" في مهماتهن هو الخيار الوحيد المتاح لهن، عندما وصلن بـ"عرق جبينهن" إلى قيادة غرف التحرير، وليس من خلال عمليات إنزال بالباراشوت.
وهن يتصدين يوميا لجبال من الضغوط النفسية والرقابية والقضائية المتراكمة أمام من اختار "مهنة المتاعب"، ليدق جرس الإنذار ويتناول قضايا مصيرية حساسة لا تعجب رجال السلطة، ممن يفضلون العمل في العتمة، والتعامل مع إعلام مرعوب على القياس المطلوب لطمس الحقائق المؤلمة.
فلا فرق بين رجل وسيدة يجلسان على عرش السلطة الرابعة في دول كالأردن وتركيا، حيث يواجه الصحفيون حملات منظمة لإسكاتهم؛ أو في جنوب أفريقيا، حيث تدهور مؤشر الحريات الإعلامية خلال السنوات الخمس الماضية، بعد الازدهار المؤقت عقب الإطاحة بنظام الفصل العنصري قبل عقدين.
تلكم خلاصة تجارب الزميلات غنيمات وباسران وحفاجي، كما أدلين بها خلال جلسة حول "ثورة الجندر: دور المرأة في الإعلام"، وعقدت أمس الثلاثاء في عمان ضمن فعاليات المؤتمر السنوي لمعهد الصحافة الدولي.
وأظهرت النقاشات التفاعلية الجريئة -والحميمة أحيانا- أن المرأة الصحفية في المراكز القيادية في غرف التحرير غالبا ما تكون أكثر شجاعة من الرجال، وأقل عرضة للمغريات والضغوط؛ كما أنها تبتعد عن حسابات المصالح الشخصية المحبطة، بعكس الرجل الذي لا يعاني من تحدي التحرش اللفظي والجسدي وانتهاك الخصوصية، ومن مسؤوليات البيت وتربية الأطفال.
أثبت النسوة أن لا مكان للتمييز بين صحفي وصحفية على أساس "الجندر"؛ بل على أساس المهنية والموضوعية والدقة والصبر والشجاعة والعزم والإصرار على كشف التجاوزات، والقبول بالتضحيات الجسام، والمثول أمام القضاء للدفاع عن موقف مشرّف وكشف الحقيقة للرأي العام بدون زيادة أو نقصان. فالقضية تتمحور في المحصلة حول النوعية، وليس عدد النساء اللواتي حقّقن مراتب متقدمة ومؤثرة في هذا القطاع الحيوي.
الزميلة غنيمات تتعرض يوميا لضغوط من مراكز قوى وعالم الأعمال المسيطر على سوق الإعلانات، وتعاني من الجهل المجتمعي الذي لا يميّز بين رجل وسيدة.
بعد موجة الاحتجاجات الشعبية التي أعقبت قرار رفع أسعار المشتقات النفطية، قرّرت غنيمات، قبل خمسة أشهر، التوقف عن كتابة زاويتها شبه اليومية في صحيفة "الغد" لمدة أسبوع، في احتجاج صامت على حجم الضغوط الخارجية من أجل أن تنحاز للرواية الرسمية. لكنها أصرت على الاستمرار في تغطية الرأي والرأي الآخر، ولو كلفها ذلك منصبها؛ فسمعتها رأس مالها الأهم، حال صدقيتها لدى القراء.
التركية باسران التي تكتب ثلاثة مقالات رأي أسبوعيا حول قضايا وطنية حساسة، مثل ملفات الأكراد والأرمن وحقوق الإنسان والمرأة، أحيلت إلى القضاء قبل أيام. وتقول: "لست الصحفي الأول، ولن أكون الأخير الذي يواجه هذا التحدي". فبلدها تركيا حقّق الرقم الأول على مستوى العالم في سجن الصحفيين وإساءة استخدام قانون مطاطي لمحاربة الإرهاب، غالبا ما استعمل ضد صحفيين يلتقون بزعماء أكراد مثلا، أو ينقلون مطالبهم السياسية.
من جهتها، ترفض حفاجي نصائح زملاء لها بأن تتحرك مع "حراس شخصيين"، بعد أن تعرضت شخصيا لضغوط السلطة، حال مجلس تحرير صحيفة "سيتي برس"، في بلد سَنَّ برلمانه قبل أسابيع قانونا جديدا لحماية وثائق الدولة، في مؤشر آخر على تراجع الحريات الإعلامية. ويصعّب هذا القانون -الذي لم يقره الرئيس بعد- وصول الصحفي إلى المعلومات لدى الجهات الرسمية، ويحبط جهود "قارعي الناقوس" ((whistle blowers في فضح الفساد وسوء الإدارة، في بلد يصر مسؤولوه على السيطرة على مؤسسات الدولة والقضاء.
الزميلات الثلاث لسن استثناء في المعاناة الإضافية التي تتكبدها غالبية النساء اللواتي يحاولن اختراق السقف الزجاجي الجاثم على صدر كل من تحاول الوصول إلى مناصب متوسطة وعليا، في القطاعين الخاص والعام، بما في ذلك الاعلام. فهذا تحد عابر للقارات، وإن اختلفت خصوصيته من دولة لأخرى.
ذلك أن النساء يملكن فقط 1 % من ثروات العالم، والباقي ملك للرجال، بحسب شيريل ساندبيرغ، مسؤولة العمليات في شركة "غوغل" العملاقة. كما أن عدد السيدات اللواتي وصلن إلى مراكز صناعة القرار قليل جدا مقارنة بالرجال.
قراءة سريعة للمناصب العليا في عالم الأعمال، تدل على تدني عدد النساء من فئة المدراء في القطاعين العام والخاص، وأعضاء مجلس الإدارة حول العالم. وفي القطاع غير الربحي في أميركا مثلا، تحتل النساء 20 % فقط من المناصب.
في عالم السياسة تبدو الصورة أكثر قتامة؛ 22 سيدة تحتل منصب رئيس دولة من أصل 197 دولة في العالم. والحال ليست أفضل في قطاع الإعلام، حتى في الولايات المتحدة؛ النساء يملكن فقط 6 % من إجمالي الفضائيات التجارية. ومع أن النساء يشكلن نصف مقدمي الأخبار في قنوات التلفزة المحلية، إلا أن 28 % منهن فقط يجلسن على مقاعد مدراء الأخبار، و16 % في منصب مدير عام التلفزيونات المحلية.
طريق نساء العالم إلى مراكز إدارية وتحريرية متقدمة ما تزال وعرة ومغلفّة بالمخاطر، رغم إنجازات عديدة حققتها النساء في المناصب الرسمية والحكومية في أوروبا وأميركا.
لكن بدل الشكوى من التمييز السياسي والقانوني وسطوة الرجال في المجتمعات الذكورية، تشق نساء عديدات طريقهن إلى القمة، ويرفضن الاستسلام مع أول كبوة. عليهن فقط تحرير أنفسهن من عقدة النقص التي غُرست في عقولهن، والإيمان بحساسيتهن المرهفة، وطاقاتهن الإبداعية، وحكمتهن الغريزية.
فالقضية ليست في وصول النساء إلى مراكز قيادية، بل هي في الارتقاء والتحضّر داخل مجتمعات تقبل بالتعددية، وتقدم فرصا متساوية، وتساعد المرأة على مواجهة التحديات والصور النمطية، لإعلاء شأن القيم الإنسانية التي يفترض أن لا تفرق بين رجل وسيدة.

[email protected]