نضوب رأس المال البشري

يرغب نحو ثلث الأردنيين البالغين بالهجرة من الأردن. وقام نحو ربع الراغبين بالهجرة باتخاذ إجراء للهجرة حسب دراسة استطلاعية نفذتها نماء للاستشارات الاستراتيجية على عينة ممثلة للمجتمع الأردني من نحو 1300 مقابلة. وتشير المقارنة مع دراسات سابقة، مثل المؤشر العربي، إلى أن نسبة من يرغبون بالهجرة قد تضاعفت منذ 2011. تثير هذه النسب القلق لعدة أسباب. أهمها شعور المواطنين الراغبين بالهجرة، وليس كل المواطنين، أن البيئة التي يعيشون بها أصبحت طاردة لأسباب اقتصادية بشكل رئيس. يشكل هذا الحال إدانة من قبل هؤلاء للسياسات العامة خصوصا الاقتصادية منها. ترافقت هذه الزيادة بنسب الراغبين بالهجرة مع مؤشرات أخرى مثل زيادة معدلات عدم الرضا عن أداء الحكومات وارتفاع الشعور باليأس خصوصاً منذ العام 2011 وحتى الآن. المؤشر الأهم هو الزيادة الكبيرة بين الأردنيين مقارنة بالدول العربية الأخرى. إذ حل الأردن في المرتبة الثالثة بعد السودان والمغرب من ناحية نسب الراغبين بالهجرة حسب بيانات المؤشر العربي مرتفعاً من 18 % العام 2011 إلى 35 % العام 2018. نضوب رأس المال البشري يتجلى من خلال دلالات خطيرة بأن الشباب الأردنيين يرغبون بالهجرة أيضا بنسبة أعلى، إذ تشير البيانات إلى أن الشباب ممن أعمارهم 18-24 يرغبون بالهجرة أكثر ممن يكبرهم بالعمر، حيث أدلى 44 % بأنهم يرغبون بالهجرة مقارنة ب37 % ممن أعمارهم 25-30، و36 % ممن أعمارهم 31-35، وثلث شريحة من تقع أعمارهم بين 41-50 سنة، وربع ممن أعمارهم 50 سنة فما فوق. وعليه فإن الشباب، وتحديدا حملة الشهادات العليا، يميلون أكثر من غيرهم لترك البلاد بحثا عن فرص اقتصادية أفضل، أي أن عامل الطرد الرئيسي هو الوضع الاقتصادي السيئ، أما بالنسبة للبعض الآخر، وتحديدا ناشطي الحراك، فيتمثل عامل الطرد ليس في تصوراتهم حول نقص الموارد، بل يعزون ذلك للفساد المتعمق الجذور الذي يحد من المساواة في الفرص، بالإضافة إلى الحد من التنمية وإعاقة المنافسة الحرة الشريفة. يتحدث الشباب عن المستقبل اليوم ويرتبط حديث نحو نصفهم عنه بالهجرة. ومن المتوقع أن تظهر مشكلة أخرى في حال قرر الشباب الذكور تنفيذ توجهاتهم نحو الهجرة، حيث أشار 40 % من الذكور رغبتهم بالهجرة مقارنة ب24 % من الإناث، وبالتالي فإن مشكلة تأخر الزواج ستصبح قضية تؤدي إلى دفع رأس المال البشري نحو الخارج، وتحديدا أن أكثر من نصف الشباب العازبين يرغبون بالهجرة، مقارنة ب28 % من الأشخاص المتزوجين. وتشير الأدلة إلى أن العديد من الأردنيين يشعرون باليأس وينظرون بقليل من الأمل للخروج من عنق الزجاجة من خلال خطة النهضة الاقتصادية الموعودة. وبسبب السياسات الاقتصادية الضعيفة التي أدت إلى ضعف حركة الأسواق، فإنه من المتوقع أن يحذو المزيد من الأردنيين حذو العديد ممن سبقوهم بالهجرة بأنفسهم وطاقاتهم وقدراتهم وأموالهم خارج البلاد.اضافة اعلان