أفكار ومواقف

نظام قائم على “القواعد”..!

علاء الدين أبو زينة

يلخص الغرب مهمته العليا بأنها «الحفاظ على النظام العالمي القائم على القواعد»، وفي سبيل ذلك، يحارب روسيا، والصين، وإيران، والمسلمين، والأفارقة، واللاتينيين والآسيويين، باعتبار أن هؤلاء جميعاً عاكفون على تقويض «القواعد»، و»النظام القائم على القواعد» هذا مفهوم فضفاض، يكيّفه الغرب حسب مقتضى الحال، وهو يُعرض، في إطاره العام، على أنه «النظام القائم على الديمقراطية الليبرالية» الذي يجب أن يرشد الحكم في كل مكان. وقد حل هذا المفهوم بالتدريج محل «القانون الدولي» ودفعه إلى الهوامش.

الليبرالية، التي تشكل إحدى قواعد «النظام الدولي»، هي «عقيدة… تسعى إلى السيطرة على العنف… وتدرك أن الناس لن يتفقوا على أهم الأشياء… لكنهم في حاجة إلى التسامح مع الذين لديهم آراء مختلفة».

وهي تريد أن «تقوم بذلك عن طريق احترام المساواة في الحقوق والكرامة للأفراد، من خلال حكم القانون والحكومة الدستورية التي تضبط وتوازن بين السلطات في الدول الحديثة.

ومن بين هذه الحقوق الحق في التملك، والتبادل التجاري بحرية، ولهذا ارتبطت الليبرالية الكلاسيكية بقوة بمستويات عالية من النمو الاقتصادي والازدهار في العالم الحديث»، بتعريف فرانسيس فوكوياما، لكن كل مناهضي نظام القواعد هذا من المذكورين أعلاه (معظم سكان الكوكب) يبحثون عن المساواة والكرامة والازدهار الاقتصادي، فلا يجدونها.

الآن، يحتشد الغرب ضد روسيا لأنها تهدد «النظام القائم على القواعد»، باعتبارها الدولة التي تجسد العدوان على «استقرار» العالم الذي يضمنه الغرب. ويكتب الصحفي الأميركي سايمون واكسمان: «لا جدال في أن النظام العالمي القائم على القواعد الذي استشهد به كل من منتقدي روسيا، والروس الذين يعارضون الولايات المتحدة، غير موجود من الناحية العملية.

أين كان في العام 2003 (غزو العراق)؟ أين كان عندما قصف الناتو يوغوسلافيا في العام 1999؟ وعندما قصفت الولايات المتحدة ليبيا في العام 1986؟ عندما دعمت الولايات المتحدة انقلابا في هندوراس في العام 2009، أو انقلابًا في إيران في العام 1953؟…، لم يتم التصريح بتنفيذ أي من هذه الإجراءات بموجب ميثاق الأمم المتحدة أو الاتفاقيات الأخرى التي تحكم قوانين الحرب، العمود الفقري للنظام العالمي المزعوم».

ويكتب فيليب جيرالدي، المدير التنفيذي لمجلس «المصلحة الوطنية» الأميركي: «في الآونة الأخيرة، كان هناك هجوم شنه جنود إسرائيليون على مخيم للاجئين الفلسطينيين في جنين بالضفة الغربية قُتل فيه عشرة من العرب.

وردًا على ذلك قتل مسلح فلسطيني سبعة إسرائيليين بالرصاص في القدس قبل أن يقتل نفسه. وفي حديثه من المكتب البيضاوي، رأى الرئيس بايدن أنه من المناسب فقط ذكر الهجوم الفلسطيني المضاد، قائلاً فقط «كان هذا هجومًا على العالم المتحضر». ولم يتم حتى الاستشهاد بالهجوم الإسرائيلي الأول الذي أسفر عن مقتل عشرة فلسطينيين».

«قامت إسرائيل بغزو واحتلال جنوب لبنان وسهلت مجزرة بحق الفلسطينيين المقيمين في المخيمات هناك… وتعمل الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو بشكل خاص على تصعيد الضغط على الفلسطينيين من خلال إجراءات غير قانونية بموجب القانون الدولي من دون خروج أدنى صرير من البيت الأبيض، كما تتزايد عمليات هدم المنازل ومصادرة الممتلكات ونقاط التفتيش وغيرها من المضايقات على مدار الساعة للفلسطينيين مع توسع الإسرائيليين في احتلالهم للضفة الغربية».

بطبيعة الحال، تلزم مئات الصفحات لتوصيف الكوارث وإحصاء عشرات الملايين من الناس الذين فقدوا أمنهم الاقتصادي والاجتماعي، وحرياتهم وفرصتهم في ظل «النظام القائم على القواعد»، الذي تفتخر الولايات المتحدة بقيادته بما هو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي الحقيقة، هو نظام قائم على «القواعد» جزاءً وفاقًا حسب قواعد الجناس التام في لغتنا العربية البديعة.

يقول ديفيد فاين، عالم الأنثروبولوجيا في الجامعة الأميركية الذي ألف كتابًا عن القواعد الأميركية، أن الولايات المتحدة «لديها نحو 800 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة وإقليمًا». وأكد فين أن «القوى العسكرية الكبرى الأخرى – مثل الصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا- لديهم معًا 31 قاعدة أجنبية فقط، تنتشر حول العالم».

وهكذا، فإن «النظام العالمي القائم على القواعد» الذي تقوده أميركا والذي تريد الحفاظ عليه، يضمن أن يكون له أكبر عدد من «القواعد» التي تهدد بها الناس وتهيمن عليهم وتحكمهم بالحديد والنار. وبالضرورة، سيعني التهديد لهذا «العالم القائم على القواعد» إجبارها على سحب قواعدها وانتزاع مناطق نفوذ منها، ومن الطبيعي أن تحرص، مع حلفائها، على إدامة «القواعد»، لمواصلة الانفراد بوضع «القواعد» المفصلة لتعظيم الثروة والبطش، وتأبيد محنة المعذبين في الأرض.

المقال السابق للكاتب 

عاصفة كاملة تتجمع

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock