نظريات المؤامرة تساعد الوباء فقط..!

قلّما أثار حدَث قريب من الآراء والتأويلات والتحليلات والاجتهادات مثلما فعل فيروس كورونا المستجد. وهذا طبيعي عندما يواجه الناس شيئاً مُهدِّداً يُحدث قطعاً مفاجئاً في سيرورة حياتهم في الكوكب كله. وفي غياب إجابات جامعة مانعة عن طبيعة فيروس كورونا، ومصدره، وحقيقة قوته وطرق احتوائه، كان من الطبيعي أيضاً أن تشنط ما تُدعى «نظريات المؤامرة» التي تحاول اقتراح إجابات بديلة.اضافة اعلان
يعرّف موقع «المفوضية الأوروبية» نظريات المؤامرة بأنها «الاعتقاد بأن قوىً متمكنة ذات نيات سلبية هي التي تقوم بالتلاعب ببعض الأحداث أو المواقف واستغلالها سرًا خلف الكواليس». وغالباً ما تظهر هذه النظريات لتعرض نفسها كتفسير منطقي للأحداث أو المواقف التي يصعب فهمها بحيث تصنع إحساسًا زائفًا بالسيطرة والتحكم. وتزدهر هذه النظريات في فترات عدم اليقين والتهديد، حيث يسعى الناس إلى فهم عالم فوضوي، وهي الظروف نفسها الناتجة عن تفشي فيروس كورونا، كما يقول الموقع.
وحسب «المفوضية الأوروبية» فإن «الناس ينشرون نظريات المؤامرة لأسباب مختلفة: معظمهم يعتقدون أنها حقيقية. ويريد آخرون أن يستفزوا –قصداً- أو يستهدفوا أو يسيئوا إلى أحد لأسباب سياسية أو مالية. ويمكن أن تأتي هذه المؤامرات من العديد من المصادر، مثل الإنترنت، والأصدقاء والأقارب».
كان من الطبيعي أن نتأثر نحن في الأردن بحالة عدم اليقين والتهديد التي ارتبكت معها الدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء. وتكوَّن لدينا نوع من الوضع المثالي لإنتاج نظريات المؤامرة وتداولها، مصطبغة بالخصوصيات المحلية.
اقترح بعضهم هنا، مثلاً، أن وراء قصة الفيروس الصهيونية العالمية، التي أرادت صرف الانتباه عن ضم المناطق الفلسطينية. واقترح آخرون أن قصة كورونا كلها مؤامرة عالمية تستفيد منها كل الحكومات بطريقة أو بأخرى. وفكر آخرون بأن الحكومة الأردنية اختلقت مسألة الوباء أو تلاعبت ببياناتها على الأقل، من أجل جلب مساعدات للبلد؛ أو لمنع الاحتجاجات؛ أو لفرض أحكام عُرفية؛ أو لفرض ضرائب؛ أو من أجل الحصول على اللقاح في وقت مبكر إذا كان هناك وباء.
وشكك آخرون في صحة الإجراءات، سواء كانت تتعلق بالحظر المؤقت أو الشامل، أو فتح المدارس، أو إغلاق وفتح التجارة والأعمال، أو في التعامل مع المطار والسفر. وهناك من انتقد صرامة التدابير عند بداية ظهور الوباء في البلد باعتبار أنها مفرطة وأضرت بالاقتصاد. وهناك من انتقد تخفيف الإجراءات باعتباره تساهلاً أو تراخياً يسمح بتفشي الوباء في المجتمع.
الحقيقة أن هذه الجدالات والفتاوى والانتقادات تحدث في أميركا، وفرنسا وبريطانيا، وأسكتلندا والسويد ومعظم الأماكن – باختلاف التفاصيل. ولن تصمد معظم «نظريات المؤامرة» أمام الفحص المنطقي، بينما تحتمل الآراء حول الإجراءات الصواب والخطأ. لكن مدى قبول الناس بالإجراءات والالتزام بتنفيذ التعليمات يتأثر حتماً بالنظريات، ويمكن أن يجهض عدم قناعتهم بالخطط الحكومية أي جهود تُبذلك لمكافحة الوباء ويلحق الضرر البليغ بالآخرين وبالبلدان. والأمر، كما وصفه طبيب لبناني مختص بالأوبئة، ليس أن ينصحك أحد بالتوقف عن التدخين أو بتخفيض وزنك فلا تستجيب، فيكون اختيارك متعلقاً بصحتك أنت. هذه المرة، ينصحك صاحب نظرية المؤامرة المتشكك بعدم ارتداء كمامة أو الالتزام بالتباعد أو الاستجابة للتعليمات، احتجاجاً على الإجراءات أو اقتناعاً بعدم وجود وباء. واستجابتك تعني احتمال إصابتك، ونقل العدوى إلى الآخرين لتضر بذلك بعائلتك وزملائك ومواطنيك ووطنك.
لذلك تشتغل الكثير من الجهات غير الحكومية، مثل «المفوضية الأوروبية» و»اليونسكو»، و»منظمة الصحة العالمية»، و»المنتدى الاقتصادي العالمي»، على مكافحة نظريات المؤامرة، وتنشر على مواقعها شروحاً عن ماهية هذه النظريات وتداعياتها. وخاصة أثر عدم الالتزام بإجراءات الوقاية على استشراء الوباء وصعوبة الوقاية.
وحسب موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن نظريات المؤامرة «يمكن أن تكون ضارة جدًا بالمجتمع. ويمكن أن لا تؤثر على الخيارات الصحية للأفراد فقط، بل يمكن أن تتدخل أيضاً في كيفية ارتباط المجموعات المختلفة ببعضها بعضا وزيادة العداء والعنف تجاه أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم «متآمرون». ولذلك، يوصي المتخصصون بأن على الحكومات أن تعمل، إلى جانب مكافحة انتشار فيروس كورونا، على منع المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة المتعلقة بالفيروس من الخروج عن السيطرة. ومن واجب المواطنين توخي الحذر إزاء المغامرة بأرواحهم وسلامة بلدانهم على أساس افتراضات غير مدعومة، واتخاذ الاحتياطات السهلة التي لا تضر.