"نظريات" لتأطير دونية المرأة وخنوعها

لا يتوقف العقل الذكوري عن اختراع مسارات تأطير العلاقة بين الرجل والمرأة للسيطرة بالنسبة للأول، والخنوع بالنسبة للثانية، مؤسسًا فهمًا انتهازيًا يحاول أن يجعله "مفاهيميا" للعلاقة بين الطرفين.اضافة اعلان
قصة تنتشر بلا توقف على مواقع التواصل الاجتماعي، وصلتني وقرئت عند كثيرين، تحكي عن امرأة يضربها زوجها أمام أطفالها، فتحزن وتهدده بأنها ستشتكيه، وعندها يغلق الأبواب، فتخبره أنها ستتصل، فيصادر هاتفها. لكنها تظل واثقة، فتدخل الحمام، وتخرج منه "مبتسمة" وقد توضأت، لتشرع في الصلاة، وتطيل السجود، وهو يراقبها "متبطحا" على الأريكة. وحين تفرغ من الصلاة ترفع كفيها بالدعاء، فيعاتبها: "أما كفاك دعاؤك عليَّ في سجودكِ؟"
تقول القصة: "فنظرت إليه، وقالت بنبرة حانية: أو تراني سأكتفي بعد الذي فعلته بي؟. فقال: والله لحظة غضب لم أقصدها. فقالت: "ولهذا لم أكتف من الدعاء لك! والدعاء على الشيطان، فلست غبية لأدعو على زوجي، وقرة عيني. فدمعت عيناه، وقبل يديها، وقال: أعاهدك أن لا ألمسك بسوء بعد اليوم"، لتخرج العظة النهائية من القصة، حين يقول الراوي: "هذه هي المرأة المسلمة التي أوصانا الله ورسوله بها"!
انتهت القصة، لكن حقبة كاملة من الدجل والتدليس والشعوذة والغش تبدأ من حيث تنتهي.
في القصة إحالات كاملة على وجوب خنوع المرأة، وتأطير لدونيتها كمستقبلة للفعل، ووجوب الرضا به، وأن لا تبادر لمحاولة الحصول على حقها وفق ما يتلاءم مع القوانين المرعية، بل تجعله حقا موقوفا أو مؤجلا، وأن لا تحصل عليه إلا من خلال المزيد من الخنوع، كونه لا يتأتى إلا من خلال العدل السماوي فقط، فهو وحده الكفيل بإنصافها، بكل ما يعنيه ذلك من عدالة مؤجلة ينبغي أن تظل المرأة خلالها في عداد العبيد الذين يتوجب عليهم القبول برضا السيد.. أو بسخطه.
الأخطر في إحالات مثل هذه القصة هو معناها الأساسي، ففي حين سينظر السطحيون إلى أن معناها هو عمق فكر المرأة ورفعتها ووعيها، إلا أن الأصل فيها هو إظهار وعي الرجل وتفوقه وقدرته على اقتراف الحكمة بلا سابق إصرار ولا تخطيط حين يرى تمايز الطرق أمامه. فحين يغضب يضرب زوجته، وحين يفكر بحكمة يرفع من شأنها. كل شيء يتعلق بالرجل وليس بالمرأة، ودلالة ذلك لنحاول التفكير لو أن خيارها كان الدعاء عليه وليس الدعاء له.
العدالة المؤجلة ظلت على الدوام واحدة من الألاعيب التي مارسها العقل الذكوري لترسيخ مفاهيم السيادة في الأنماط الاجتماعية وتوضيح علو شأن الذكر على الأنثى، وهي عدالة تم إلباسها ثوبا قداسيا عن طريق نصوص شعبية مدت من أمد شقاء الأنثى، وأجلت من حصولها على حقوقها.
هذا التمايز لا يصنعه الذكور فقط، بل والإناث كذلك. الأمهات، وفي كثير من الأحيان، يصنعن "آلهة ذكورية صغيرة" تتعثر بها الأنثى. التمجيد الذي تتعامل به الأم الشرقية مع ابنها الذكر، يمنحه مساحة كبيرة من الطغيان تبيح له التجبر في حياة شقيقته. وبعد أن يشتد عوده لا بد أن يبيح له ذلك التجبر في حياة أمّه.
كل شيء في حياة الشرقي يعزز أولويته وأسبقيته وأحقيته في أي مكانة. الذكور والإناث يتواطأون على تعزيز مكانة الذكر، وعلى إقصاء الأنثى. نتعامل مع الأمر كما لو أنه نص مقدس، وغالبا ما يكون من تأليفنا. نتواطؤ عليه، ونمنحه قداسة زائفة، تماما كما القصة السابقة، لكي نعزز من مساحة حجتنا في الإقناع، ولكي نكون على كامل استعدادنا للإقناع عن طريق الزيف.
الذكر سيظل أعلى شأنا من الأنثى ما دمنا قادرين على تأليف نصوص ومنحها صفة القداسة بواسطة الكذب، وبالتواطؤ المجتمعي الكلي، وما دمنا أقمنا حدودا للمقدس والمدنس لا يمكن تجاوزها. أما اجتياز امتحان الصدق والأمانة والإخلاص في التفسير والتقييم.. فهو أمر لا يسأل عنه أحد.
هذه ثقافة سائدة اليوم لدينا، وإن أردنا أن ننحاز إلى إنسانيتنا فينبغي أن نعمل على تغيير هذه الثقافة بجميع تشوّهاتها.