نظرية كل شيء

تشاء الأقدار أن يخسر (جونار إنجيلاو) مدير شركة فولفو للسيارات أحد أقاربه في حادث سيارة مروع والذي أثبتت تقارير الوفاة أن خللا في حزام الأمان المستخدم حينها المعروف بالتصميم ثنائي النقاط، بعد أن أثبت هذا الحزام فشله عند المحك الحقيقي، بحيث عجز عن تقديم الحماية المأمولة منه لحظة وقوع الحادث، هذا الصراع النفسي الأخلاقي دفع (انجيلاو) لوضع كل ثقله في عملية الحصول على خدمات أحد أهم المهندسين في القرن الماضي (نيلز بوهلين) الذي يعمل لمنافسيه المباشرين في شركة ساب التي تختص بصناعة الطائرات. جاء المهندس الكبير حاملا كل خبراته في مجال الطيران ووضع تصميمه لحزام ثلاثي النقاط مضيفاً له خبرته الإنسانية المبنية على رفض البشر للتكبيل باعتبار حزام الأمان يشكل قيدا بالنسبة لسائقي السيارات وعليه فسيتعاملون معه بعدائية الرفض، ومن هنا لم يرتكز الاختراع العظيم على أركان الهندسة وحدها بل كان لا بد من فهم السلوك البشري فجعل عملية تركيب الحزام ضمن أسهل صورها بحيث لا تستهلك جهدا ووقتا لتنفيذها. بعد وفاة السويدي نيلز بوهلين مبتكر حزام الأمان في العام 2002 قيمت شركة فولفو التي تبنت الاختراع قبل أن يصبح إجباريا في كل السيارات منذ العام 1964 ليخلص التقييم الى أن يوهلين أنقذ حياة مليون إنسان في سيارات فولفو وحدها من خلال اختراعه. العظيم بالأمر أن يوهلين ومن بعده شركة فولفو رفضا حقهم التجاري في هذا الاختراع ليسهل انتشاره في سبيل حماية أكبر قدر ممكن من البشر. العجيب أنه خلال عمل هؤلاء العمالقة كانت الشوارع تمتلئ بالإشاعات حول خطورة حزام الأمان وانتشرت حكايات عن رؤوس مشنوقة ومقطوعة نتيجة فرامل مفاجئة أثناء استخدام الحزام القاتل، وقصص مرعبة عن سائقين علقوا داخل سياراتهم بسبب عجزهم عن التخلص من هذا الاختراع الفاشل الذي وإضافة لكل ما سبق يكبلك ويسرق حريتك أثناء القيادة. هنا ليس المفاجئ اعتراض الإنسان أو نقاشه حول شيء يتعلق به، وإنما المقلق دوما هو مستوى الأسئلة التي تطرح وهل بالفعل الانخراط في نقاشها يقدم إضافة للفكرة أم هو مجرد رغبة لحشر الأنف في كل شيء. لقد ثبت تاريخيا أن للدغمائية والغارقين في الإيديولوجية قدرة عجيبة على إقحام أنفسهم في كل قضية من دون أي معرفة علمية، فمثلا خلال عصر النهضة أحكم هؤلاء قبضتهم على الحياة فباتت المسلمات تحكم الفضاء، ومن ضمنها أن الأرض مركز الكون وعندما قال (كوبرنيكوس) بمركزية الشمس وصم بالهرطقة تهمة كفيلة بوضع رأسك تحت المقصلة ودفع ثمن هذا الفهم فيما بعد (جاليلو) الذي وضع تحت الإقامة الجبرية نتيجة الصراع ذاته. اليوم تشكل محطة الفضاء الدولية مختبراً عائماً يعيش ويعمل فيه رواد الفضاء، فيما تدور هذه المحطة حول الأرض تماما كالقمر على ارتفاع 250 ميلاً (405 كم)، بسرعة (28.000 كيلومتر في الساعة). وتستغرق الرحلة الكاملة في الدوران حول الأرض 92 دقيقة بحيث يستطيع طاقم المحطة الفضائية أن يشاهد 16 غروبا وشروقا للشمس في اليوم الأرضي الواحد وما تزال الدغمائية تصر حتى يومنا هذا على حبس جاليلو وتسطيح الأرض في سبيل إيديولوجياتهم! اليوم يحتد الجدل حول مطعوم الكوفيد، ولا يجد الأطباء والعلماء لهم موطئ قدم في هذا السجال، فما تزال الدغمائية والإيديولوجيات تتصدر النقاش ضمن حالة نفسية مرضية يدعي فيها المريض بأنه يعرف كل شيء واسمها العلمي (Ultracrepidarianism)؛ حيث يقوم فيها المصاب بإعطاء رأيه وتقديم النصائح في مواضيع لا يفهم فيها أبداً!اضافة اعلان