نظير صائب عريقات وخليفته

يتحفظ كثيرون، وهم محقون بذلك، على محدودية التغيير في وجوه المفاوضين الفلسطينيين، وتحديدا بقاء صائب عريقات في موقعه كبيرا للمفاوضين سنوات طويلة. ويشيرون للتغير المستمر في الجانب الإسرائيلي. والحقيقة أنّ هذه الملاحظة غير دقيقة كليّا. إذ إنّ الجانب الفلسطيني لم يتفاوض على مدى العقدين الفائتين مع الإسرائيليين وحسب، بل مع الأميركيين أيضا الذين لم يقوموا بدور الوسيط، بل بدور الراعي الرسمي للمفاوض الإسرائيلي. وفي الطرف الأميركي كان هناك شخص قام بهذا الدور باستمرار، وكان عابرا للإدارات ينتقل مع الحزب الجمهوري والديمقراطي، وهو عمليّا كبير المفاوضين الصهاينة في الفريق الأميركي، إنّه دنيس روس، المولود مع النكبة العام 1948، ومعه أسماء استمرت بمقدار أقل مثل مارتن إنديك.اضافة اعلان
في مفاوضات كامب ديفيد العام 2000، قدّم روس للرئيس الأميركي، حينذاك، تقييما للموقف بأنّ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سيرضى حتى بأقل مما سيعرضه رئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، وفوجئ بيل كلينتون بأنّ هذا ليس صحيحا. وعندما كلّف الرئيس الحالي باراك أوباما، روس بالملف الإيراني في مطلع عهده، كان هذا سببا للتفاؤل أنّ روس سيبتعد أخيرا عن الملف الفلسطيني، ولكنه ما لبث أن عاد إلى موقعه السابق، عبر بوابة مجلس الأمن القومي، الذي أصبح خبير الشرق الأوسط فيه. وكان من أول إسهاماته الإشارة إلى أنّ أوباما أخطأ عندما طلب من الإسرائيليين وقف الاستيطان، لأنّ الحكومة الإسرائيلية لن تفعل ذلك.
ليس غريبا إذن أن يحتد النقاش بين الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس وروس في لقائهما في رام الله قبل أيام. لقد بات روس ملتصقا شخصيا بمعادلة اسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل عند بدء المفاوضات العام 1991، والساعية إلى إدامة التفاوض طويلا جدا بينما يجري على الأرض فرض أمر واقع لصالح إسرائيل. هو يعرف أنّ الفلسطينيين لن يحصلوا على دولة في الأمم المتحدة هذا الشهر، أو على الأقل لن تعطيهم الأمم المتحدة دولة فعليّة على الأرض، ولكنه لا يريد لمعادلة التفاوض الإسرائيلي-الفلسطيني الثنائية برعايته الحصريّة أن تهتز.
روس المخلص جداً لإسرائيل لا يخلو من فكر رغائبي، يصوّر له الأمور أحياناً كما يشاء. فهو والإسرائيليون عندما شرعوا في اتصالات مع مسؤولين في الصفين الثاني والثالث فلسطينيا، قبيل مفاوضات كامب ديفيد، وأخذوهم وقتها إلى استكهولم، معتقدين أنّهم يخترقون الصف الفلسطيني من داخله، لم يفهموا سيكولوجية ياسر عرفات ومعه محمود عبّاس. ولا يريد روس الآن أن يتذكر أنّ عبّاس كان يشاطر عرفات مواقفه في المفاوضات حينها. ولم يضع روس في حساباته عندها أنّ الفلسطينيين لديهم أوراق أخرى أظهروها في انتفاضة الأقصى.
ما يفعله الفلسطينيون الآن هو البحث عن مرجعية جديدة للمفاوضات، متمثلة في المجتمع الدولي. وهذا يقلق الأميركيين جدا، ويقلق روس وبعض المسؤولين بشكل خاص، فهو يهدد معادلاتهم، وأدوارهم الإقليمية والعالمية.
كان هم روس في كامب ديفيد وما بعدها أن يخبر العالم أن سبب الفشل هو ياسر عرفات، ولكن التداعيات كانت أكبر من مجرد فشل مفاوضات، كانت انتفاضة.
ما لا يريد أوباما وروس رؤيته الآن، وكذلك البيت الأبيض الذي عاد ليسلم روس الملف، أنّ الشعب الفلسطيني مقبل على تغييرات كثيرة، وأنّ مجمل المجموعة التي تعامل معها الأميركيون، منذ أوسلو، قد غادرت بالفعل أو ستغادر المشهد. وهناك أسماء جديدة وقوى مختلفة، وجيل جديد، يتدرب على المرحلة المقبلة بعد أيلول (سبتمبر). حينها قد يجد روس وغيره أمامهم وجوها مختلفة في مشاهد العمل الفلسطيني، وصائب عريقات ذاته يتحدث عن خيارات منها حل السلطة، ومجمل معادلة أوسلو، وسيجد أساليب وتكتيكات واستراتيجيات جديدة، ولكن واشنطن تتعامى عن ذلك.