نعم.. هناك إساءة معاملة للمسنين..!

في أواخر الشهر الماضي، انعقدت في الأردن جلسة نقاشية نظمتها وزارة التنمية الاجتماعية والمجلس الوطني لشؤون الأسرة بعنوان "اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين". وقد أثار المنتدون جملة من القضايا المتصلة بهذا العنوان، لكن الشيء الأهم في هذا الحدث هو أنه تناول موضوعا من المحرمات تقريبا في مجتمعاتنا. ولا يريد أحد على الأغلب أن يسمع أو يقرأ عبارة من نوع "إساءة معاملة المسنين"، ربما اعتقادا بأن الاعتراف بهذه الظاهرة يسيء إلى صورة المجتمع ويتجنى عليه. ولو سألت عن الموضوع، فإن أحدا لا يمكن أن يرى في نفسه تقصيرا تجاه والديه، أو أن يتحدث عما يرى ويسمع، وكأن البلد جنة الشيوخ. وفي حين أن من العادي تماما أن نتحدث عن "الإساءة إلى الأطفال" و"الإساءة إلى النساء"، فإننا لا نرغب الاعتراف بأن هناك إساءة إلى المسنين، الذين يشتركون قطعاً مع الفئتين المذكورتين في صفة الهشاشة النسبية.

اضافة اعلان

لكن هذا الإنكار، المدفوع غالبا بشعور بالذنب وادعاء كاذب للامتثال لوصايا الدين والأخلاق، لا يستطيع أن يلغي الحقيقة. والحقيقة هي أن الإنسان عندما تقل وسائل دفاعه يصبح عرضة للاستغلال والإهمال. وفي حالة المسنين بالذات، تكون مسألة الدفاع أكثر تعقيداً. فالأب والأم سيناضلان غالباً مشاعر متعارضة إذا تعرضا للإساءة وفكرا في الشكوى: هناك شعور الوالدين الغالب بالشفقة على الأبناء وعدم الرغبة في التسبب فهم بفضيحة اجتماعية أو عناء قانوني؛ أو ربما عدم الرغبة في التعرض لفضيحة ذاتية، حين تُري الناس أنك فشلتَ في التربية.

مع ذلك، "أشار الأمين العام بالوكالة للمجلس الوطني لشؤون الاسرة، محمد مقدادي، (في الورشة المذكورة) إلى الدراسة التحليلية لواقع كبار السن التي أعدها المجلس العام 2017، وأظهرت ان مجموع الشكاوى التي تقدَم بها كبار السن في كافة محافظات المملكة خلال العام 2016 حوالي (787) شكوى، تنوعت ما بين إعتداء لفظي و/أو جسدي على كبير السن"، كما ورد في تقرير للزميلة نادين النمري، نشرته "الغد" في 27 حزيران (يونيو) الماضي. ولا بد أن هذا العدد لا يمثل حجم الإساءات التي لم يتم الإبلاغ عنها لمختلف الأسباب. 

لا حصر لأنواع الإساءة التي يمكن أن يعانيها المسنُّون. فبالإضافة إلى العنف الجسدي أو اللفظي –وهما يحصلان- هناك إهمال العناية بصحة المسن. ويأتي الإهمال إما لمجرد الإهمال، أو لقصور الإمكانيات المادية للإنفاق على علاج المسن. وفي هذه الحالة الثانية يكون القصور مؤسَّسياً، وله علاقة بمسؤولية الدولة. وهناك إهمال ينجم عن الانشغال وليس سوء النية. وغالباً، لا يستطيع المعظم استخدام ممرض أو ممرضة للعناية بالمسنِّ بينما يكون غائباً في عمله، وسوف تتطلب عنايته به كل الوقت تضحية ربما لا يستطيع تحمل كلفتها.

وهناك إساءات أخرى تضاعفها حساسية الآباء والأمهات التي يزيدها كبر السن، مثل تباعد زيارات الأبناء وتأكيد أنهم استغنوا عن الوالدين، أو تسفيههم رأي الكبير أو تعنيفه على أي شيء. وفي الحقيقة، يستطيع كل واحد منا أن يفكر في الكثير من الأشياء التي يفعلها، والتي لن يقبلها غالباً من أبنائه عندما تدور الدوائر ويصبح هو المسنُّ. ويغلب أن يفيق الكثيرون ويراجعوا أنفسهم فقط عندما يكونون قد وصلوا إلى هنا فقط.

ما يزال بديل دور رعاية الكبار غير مناسب. فهو أولاً مرفوض اجتماعيا، على نفس قاعدة إنكار الإساءة للمسنين نفسها أو ضعف إمكانيات رعايتهم في المنزل. وفي هذا الرفض شكل من الإساءة أحيانا، حين يكون على طريقة الذي "لا يرحم ولا يدع رحمة الله تحلّ". وهناك ثانيا عدم الثقة في تلقي المسنّ معاملة لائقة في هذه الدور إذا توفرت الشجاعة لاختيار ذلك. وأتذكر صديقا شارك مرة في عمل تطوعي ليوم واحد في إحدى دور المسنين. وباختصار، أصابته التجربة بالاكتئاب والغثيان فترةً. وغالِباً يعامَل المسنُّ كالمتسول إذا كانت الدار مجانية. أو لا أحد يدري ما يحصل عندما يدير الأقارب ظهرهم إذا كانت الدار مدفوعة الأجر. وربما يكون المسن عاجزاً عن الشكوى ولا أحد يدري.

عموماً، من المهم أن تُقام الوُرش وتوضع الاستراتيجيات للتعامل مع هذه المسألة، إكراماً لنا جميعاً. وسيكون ذلك أفضل وأكثر واقعية من وضع الرأس في الرمل.