نقطة أول السطر

بانتظار إعلان مجلس نقابة المعلمين اليوم قراره النهائي، وسيكون على الأرجح تعليق الإضراب، بعدما عاد للقبول بما قدّمته الحكومة، مسبقاً، من حقوق للمعلمين، مع صيغة فضفاضة تتمثل في تعهد الحكومة بتحسين ظروف العاملين في القطاع العام جميعاً في حال تحسنت الظروف الاقتصادية في البلاد.اضافة اعلان
وثمّة ضرورة لإعادة التأكيد هنا على أننا ندرك تماماً أنّ الارتقاء بمستوى التعليم وإخراجه من حالة الحضيض الراهنة، لن يحدث من دون اهتمام الدولة بهذه الشريحة الواسعة المهمة والحيوية. وهذا ليس اكتشافاً جديداً، فأي دولة تريد تحقيق نهضة حقيقية، وقفزات نوعية في التنمية، تجعل محور اهتمامها بالتربية والتعليم، ومحور هذه العملية، وهو المعلم.
أما وقد شارفت الأزمة على الانتهاء بين الحكومة والنقابة، كما نأمل، ونتوقع أن يعود طلبتنا إلى مدارسهم غداً صباحاً، فإنّ الأزمة الحقيقية قد بدأت فعلاً بين مجلس النقابة الحالي والنسبة الكبيرة من المعلمين الذين شعروا بأنّ مجلس النقابة ورّطهم في معركة خاسرة منذ البداية، غير مدروسة؛ ووضعهم في مواجهة مع المجتمع والإعلام، بعدما كانت أغلبية الشارع الأردني والنخبة المستقلة من الإعلاميين وكتّاب الأعمدة، قد وقفوا معهم وساندوهم، حتى حقّقوا نقابتهم المشروعة قبل أعوام قليلة!
ولعلّ على الزملاء، الذين نحترمهم في مجلس النقابة ونقدّر نواياهم الطيبة، أن يسألوا أنفسهم سؤالاً مفتاحياً واحداً: لماذا حظي إضرابهم التاريخي قبل أعوام بتأييد شعبي وإعلامي عارم، بينما فشل الإضراب الحالي في ذلك؟! هل يكمن الجواب في أنّ الموقف تغيّر من المعلمين، أم أنّ هناك سوء إدارة أزمة سافر في الإضراب الحالي؟!
لم يقم مجلس النقابة بتحضير الرأي العام جيداً لهذه الخطوة الجدلية، التي يتأثر بها الجزء الأكبر من المجتمع الأردني؛ ولم يتواصل مع الإعلاميين؛ ولم يتدرّج في المطالب بذكاء وواقعية؛ ولم يستطع أن يجترح معادلة يسوقها شعبياً، تربط بين تحسين أوضاع المعلمين والارتقاء بالتعليم وتحسين ظروف المدارس!
ومما عزّز فشل إدارة الأزمة اختيار توقيت الإضراب، بعد هزّة نتائج امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، وامتحان الكفاءة للمتقدمين لوزارة التربية والتعليم، وقبل ذلك نتائج الدراسات حول مستوى المعرفة في الصفوف الثلاثة الأولى، وهي المؤشرات التي خلقت حالة من الهلع والقلق في أوساط الأردنيين جميعاً، وكان من المفترض أن تدفع بمجلس النقابة إلى الدخول على خطّ النقاش الإعلامي ليقدم تحليله لهذا التردي ورؤيته للإنقاذ. لكنه غاب تماماً، ولم يظهر إلاّ وهو يطالب بتحقيق مطالب المعلمين كاملةً، من دون أن يدرس الخيارات والنتائج جيداً.
لو كنت مسؤولاً، لما ترددت في أن أعيد هيكلة الموازنة ومنح موضوع التعليم أهمية وأولوية قصوى في المرحلة القادمة. ولعلّ نتائج الثانوية العامة، وحالة الجامعات، وتردي مستوى التعليم، وانتشار العنف الجامعي والاجتماعي، وانهيار القيم الأخلاقية وارتفاع معدل الجريمة والمخدرات، كل ذلك يدعو فعلاً إلى أن نقرع جرس الخطر، وكان يمثّل المفتاح الذهبي لمجلس النقابة لإعلان معركة جديدة لإنقاذ التعليم في الأردن، وحشد الرأي العام مع المعلمين، لكنهم ارتكبوا أخطاءً فادحة أخرجت معركتهم عن هذا الهم الوطني وعزلته عنه!
انتهى الإضراب، ومطلوب من وزير التربية والتعليم، أيضاً، أن يتجاوز ما حدث، وألا تتعامل الحكومة بمنطق المكاسرة، وألا يتم استثمار ما حدث لإضعاف النقابة أو النيل من الناشطين فيها. ففي النهاية، إذا شعر المدرس بالإحباط وخيبة الأمل والعجز، فنحن جميعاً الخاسرون؛ فلن يكون وطناً محترماً ينتصر فيه أي طرف على المعلمين. ونأمل أن يضع الجميع نقطة بعد الإضراب، ونبدأ سطراً جديداً، ويكون ما تحقق من "حقوق" للمعلمين خطوة في سبيل تحصيل حقوقهم الأخرى المهضومة.