نكتة التعويضات!

الأسابيع القليلة الماضية كانت حُبلى بالتصريحات الغريبة من الحكومتين الأميركية والعراقية على حد سواء. فبعد أن وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعوته لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لزيارة واشنطن بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، لاحظنا أن ذلك لم يكن دليلاً على علاقات وردية بين الطرفين، وإنما هي المصلحة الأميركية أولاً وآخراً.اضافة اعلان
البداية كانت مع تصريحات "متوقعة" من الرئيس ترامب، الذي قال في كانون الأول (ديسمبر) الماضي لصحيفة "الغارديان" البريطانية إن "الحصول على النفط العراقي هو طريقة لدفع تكاليف الحرب في العراق، التي كلفت الولايات المتحدة 3 تريليونات دولار، وفقدت فيها آلاف الأرواح من دون أن تحصل على عائد من ورائها. نحن لا نسرق أي شيء، وما نقوم به يمكن أن يكون أقل تعويض لنا".
بالمقابل، سمعنا من العبادي رئيس حكومة بغداد تصريحاً غريباً قبل أسبوع من تنصيب ترامب، طالب فيه واشنطن بالكشف عن التفاصيل الكاملة المتعلقة بالغزو الذي قادته ضد العراق العام 2003، والكشف -عبر تحقيق- عن "التفاصيل والأحداث  التي أدت إلى اتخاذ الإدارة الأميركية قراراً بتحرير العراق من نظام صدام حسين ثم التحول بعدها إلى احتلاله"، وأن "قرار الغزو الأميركي أدى إلى فتح باب عدم الاستقرار والفوضى على مصراعيه، وكان له الدور المباشر في خلق بيئة فتحت الأبواب جميعها لكل المنظمات الإرهابية من بقاع العالم لتأتي إلى العراق، وهو الأمر الذي ندفع نحن ثمنه غالياً الآن". وطالب العبادي -بكل صراحة- بتعويضات أميركية للعراق، قائلاً: "العراقيون يجب أن يعوضوا من قبل الولايات المتحدة عن المآسي والكوارث التي تحملوها". لنتفق بداية على أن أميركا مسؤولة قانونيا وأخلاقيا عما جرى ويجري في العراق من تدمير وتهجير وتخلف وضياع. ولنتفق كذلك أنه من حق العراقيين أن يطالبوا بتعويضات مالية ومعنوية من الولايات المتحدة عما حصل لهم جراء سنوات الاحتلال العجاف وحتى الساعة.
لكن رغم أن مطالبات العبادي ضرورية وقانونية، فهل يحق له أن يطالب بها؟
العبادي جزء من مشروع "المعارضة العراقية" السابقة. وهنا لا بد أن نستذكر دور الغالبية العظمى من أطراف تلك "المعارضة" في تدمير العراق، وإعانة المحتل الأميركي، ووقوفها معه، وترتيبها معه اجتماعات دورية ورئيسة، منها اجتماعات فيينا في حزيران (يونيو) 1992، ونيويورك في تشرين الأول (أكتوبر) 1999، ولندن منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2002، وصلاح الدين نهاية العام 2002، وغيرها العشرات من اللقاءات مع الدول الداعمة لضرب العراق وتدميره. والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الشركات النفطية لبيع النفط العراقي في مرحلة ما بعد التغيير المرتقب حينها. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2002: "بدأت المعارضة العراقية والشركات النفطية الكبرى تعقد سراً لقاءات لتحديد مصير الاحتياطي النفطي الهائل في حال الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين".
هذه الكوارث وغيرها ارتكبتها "المعارضة العراقية" ثم يأتون اليوم ويتحدثون عن التعويضات الأميركية للعراق! وعليه لا يمكنني تفهم كيف أن "المعارضة"، ومنها غالبية أطراف التحالف الوطني الحاكم، استعانت بالولايات المتحدة لتغيير نظام الحكم في العراق واليوم تتحدث عن تعويضات! ربما هي "تناقضات" يُراد منها الظهور أمام الشعب بمظهر القوي الشديد.
ولهذا أرى بموجب الجرأة السياسية والمواقف غير المتوقعة من الرئيس الأميركي الجديد، أنه ربما هو من سيطالب المسؤولين العراقيين بثمن أو تكلفة إيصالهم إلى حكم العراق. وهذا ما سيدفع حكومة بغداد إلى تقديم هبات وعطايا عراقية لأميركا من اجل امتصاص الغضب "الترامبي"، وإلا فان منْ جاء بمنْ يُطالب بالتعويضات قادر على أن يأتي بغيرهم.
الحكومة الوطنية -التي نأمل أن تكون في العراق- هي المؤهلة للمطالبة بتعويضات أميركية وإيرانية للعراقيين، وكذلك يمكنها إنهاء حالة البؤس والدمار الواضحة في عموم البلاد العراقية.