ننتظر الجواب!

تزامن نشر "الغد" (أول من أمس) مقالين مترجمين اثنين، يتقاطعان في الإشارة إلى ما يشبه "النعي الغربي" للربيع الديمقراطي في العالم العربي؛ الأول لـ"دوغ سوندرز" بعنوان "هل تشكل الانتخابات الحرّة مخاطر كبيرة على بعض البلاد؟"، والثاني لـ"غريغ شيريدان" بعنوان "الديمقراطية ليست دائماً نهاية اللعبة في الشرق الأوسط".اضافة اعلان
إذا أردنا استعراض آراء ومواقف نخبة كبيرة من الباحثين والسياسيين الأميركيين والغربيين، فسنجد أنّ هذين المقالين يقدّمان خلاصةً لقناعة عامة شبيهة، بدأت تنتشر وتتجذّر في تلك الأوساط؛ تشكّك، بل وتؤكّد بأنّ المجتمعات العربية والمسلمة ليست مؤهلة للدخول في العصر الديمقراطي بعد!
بالضرورة، مثل هذه القناعات والأفكار لن تقف عند حدود النقاش والحوار، بل ستنعكس في توصيات وأفكار مراكز التفكير والمستشارين فيما يتعلق بسياساتٍ ومواقف استراتيجية تجاه المنطقة العربية، عبر تكريس وترسيخ "الصفقة التاريخية" بين الأنظمة العربية والسياسة الأميركية من جهة، والالتزام بمقولة المدرسة الواقعية، من جهة أخرى، وفي جوهرها الشرق أوسطي الالتزام بالمصالح الأميركية الواقعية (الطاقة، والأمن، والاستقرار، ومصالح الحلفاء وفي مقدمتهم إسرائيل)، وإدارة موازين القوى في المنطقة من دون التفكير أو النظر بصورة جدّية لقصة الديمقراطية والحريات والإصلاحات.
من يتابع النقاشات والمسارات في السياسة الخارجية الأميركية، سيجد أنّها تعرّضت لاهتزازات كبيرة. وشهدت مراكز التفكير نقاشات عميقة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، في عهد المحافظين الجدد، ومرّت عبر مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، فالعودة إلى ما يسمى "الواقعية التقدمية" مع الديمقراطيين، ثم لحظة "الربيع العربي" وإعادة التفكير في مختلف الملفات السياسية، بما فيها الموقف من الحركات الإسلامية، وصولاً إلى اللحظة الراهنة، أي العودة إلى المقولات الواقعية مرّة أخرى!
صحيح أنّ النتائج قد لا تكون ملحوظة تماماً على أرض الواقع، إذ إنّ هناك مصالح ثابتة راسخة لا تتزحزح. لكن التفكير في حماية هذه المصالح، وأهمية المسار الديمقراطي العربي، وجدوى الإبقاء على تحالف مع الأنظمة العربية منتهية الصلاحية، هو الذي كان يحتل مساحة الجدل والسؤال في تلك الأوساط.
في النهاية، ربما تتفق هذه الخلاصة بعدم استعداد المجتمعات العربية للعملية الديمقراطية، مع قناعة الأوساط المحافظة العربية، ومع رؤية إسرائيل. وقد تشاركهم اليوم الرأي شريحة عربية عريضة، تشعر بالرعب والهلع مما تراه من نتائج كارثية لمحاولات التغيير في العديد من الدول العربية.
لن نناقش هذه القناعات، فهي تحتاج إلى دراسات ومقالات مطوّلة. لكن من الضروري، هنا، الإشارة إلى جمل أساسية في تقييم تلك الخلاصة:
الأولى، أنّنا لا نستطيع أن نضع المجتمعات العربية والإسلامية في الحزمة نفسها؛ فهي متفاوتة ومتباينة في أحوالها الاجتماعية والثقافية. لذلك، فإن إصدار حكم موحّد هو بمثابة خطأ، بل خطيئة.
الثانية، أنّ السبب الرئيس فيما آلت إليه أهم التجارب الحالية، المصرية والسورية، لا يتمثّل في مسؤولية الشعوب، بل في الحرب الخارجية بالوكالة، والثورة المضادة، والانقلابات العسكرية، وعمل المنظومة الإقليمية المضادة للربيع العربي. فتحميل الربيع الديمقراطي العربي مسؤولية أعمال أعدائه وخصومه ليس منطقياً ولا موضوعياً!
الثالثة، أنّ السياسة الخارجية الأميركية تتحمل شطراً كبيراً من هذه المسؤولية، لأنّها دعمت تلك الانقلابات والثورات المضادة، ولم تكن صادقة في تبنيّها للخيار الديمقراطي.
بالضرورة، ما يحدث في المنطقة بحاجة إلى قراءة أعمق. وهناك اختلالات ومسارات وصيرورة تاريخية للدخول في العصر الديمقراطي. لكن السؤال أمام هذه الخلاصة وخصوم هذا "الربيع"، هو: ما البديل الذي لديكم؛ إبقاء هذه الأنظمة الفاسدة السلطوية؛ أليست هي من أنتج هذه الكوارث؟! وإلا ما الحل الآخر؟! فالشباب الحائر ينتظر الجواب منكم!