ننتظر باراك أوباما

ذهب الكثير ولم يبق إلا القليل. نستعد للاحتفال بفوز باراك حسين أوباما. إنه سيد العالم بلا منازع. خير خلف لأسوأ سلف. فإن صلحت أميركا صلح سائر الناس. كل ما في الأمر أن الرئيس المقبل سيصدر التعليمات، وسينفذ زعماء العالم –باستثناء روسيا والصين ومحور الشر – الأوامر الجديدة الصادرة من البيت الأبيض. ومن يعص يستبدل؛ فما الزعماء مهما علا شأنهم إلا موظفين على كادر الإدارة الأميركية.

اضافة اعلان

 انتهى زمان المحافظين الجدد، وجاء زمان الديموقراطيين الجدد. سيجلب زعماء العالم  النامي غير الديموقراطي  في ساحة البيت الأبيض، ليصغوا مع شعوبهم إلى الشاب الضاربة جذوره في تربة القارة السوداء. سيقعدهم "المقعد الضيق". ولن تكون بينهم مجاملات مع أن المناسبة احتفالية أصلا.

  "لا أعد بمساعدات لتشجيع الديموقراطية. بل أعد بحرب لاهوادة فيها على الاستبداد. إن قوة أميركا العسكرية والأمنية والاقتصادية تحت رهن إشارة دعاة الإصلاح. لن يستطيع نظام مستبد الصمود أمامنا. في المقابل، وإن انتهى مفهوم المساعدات التي كانت تمتص من قبل الأنظمة الفاسدة جاء عهد الشراكات، نعم الشراكة بين أميركا وأصغر دولة في الشرق الأوسط، فنحن شركاء في الحرب على الاستبداد ولا نريد مرتزقة يتلقون رشى! وقبل ذلك نعرف مدى العلاقة بين التنمية والديموقراطية. إنه مشروع مارشال الجديد..".  هكذا تكلم  في خطابه الجامع بعد الفوز.

كأن على رؤسهم الطير. استهلكت كميات كبيرة من المياه بعد أن نشف ريق الزعماء المستمعين. شوهد العرق يتصبب منهم وهم يستمعون الى خطاب أوباما بنبرته الواثقة التي لا تعرف التردد. وقف أحدهم في نهاية الخطاب بعد أن قاطع عدة مرات هاتفا بحياة أوباما، خرق البرتوكول وتكلم بلا استئذان ولا دور: "سيدي الرئيس، أعلنها بصراحة: أنا مستقيل من هذه الساعة. تحملنا الناس بما يكفي. لم يعد لدي ما أقدمه لهم. ونص الدستور واضح ؛ لا يمكنني التمديد أكثر من ولايتين. الثالثة كانت تزويرا مرة لنص الدستور وثانية لصناديق الاقتراع. كنا نعتقد أننا بذلك نخدمكم، سيدي الرئيس، توقعت أنكم تفضلون بقائي. ولو جرت الانتخابات بنزاهة  لفاز أعداؤكم. أما وأنكم تضعون أساطيلكم في خدمة الإصلاحيين فإنا لست على استعداد أن ترسلوني إلى غوانتانمو. كل ما أطلبه بهذه المناسبة أن تسمحوا لي بإقامة كريمة في بلادكم. لن آخذ ما سرقته من مال الشعب. سأعيش من تقاعدي. أرجوك سيدي الرئيس ألا تفكر بعقوبات بحقنا. أوضاعنا الصحية لا تسمح ؛ أنا ممكن أن أن .. أموت قهرا ..".  قالها وهوى على طوله. تدخل الفريق الطبي التابع للرئيس الأميركي وأجرى اللازم. تبين فعلا أن الزعيم انخفض عنده السكر بشكل حاد.

لم يأخذ أوباما موقف الزعيم بجدية، في قرارة نفسه كان يكن له احتقارا، وقد اطلع على تقارير الخارجية ووكالات الاستخبارات التي تجمع على وضاعته فسادا واستبدادا. في المساء اجتمع مع مستشاريه، وطلب منهم وضع صيغة قانونية بالتعاون مع الأمم المتحدة تسمح بملاحقة الزعماء المستبدين وتصادر ممتلكاتهم وأرصدتهم. وفي بلد تصدر فيه أحكام إعدام بحق قاصر لا يرق قلب أوباما على كهل فاسد يتمارض. سأل رئيس الفريق الطبي في البيت الأبيض: هل سيبقى حيا حتى تشكيل المحكمة الدولية لجرائم الفساد؟ أومأ الطبيب –ساخرا – بالإيجاب .

 يحلم بعض المسحوقين بيوم تتحول فيه أميركا من قوة طاغية تسيرها مصالحها إلى قوة أخلاقية تسيرها مبادئ الحرية والعدالة والنزاهة. ومجرد الحلم يريح ويعفي المسحوقين من مسؤولياتهم. ليس أمامهم إلا الانتظار وسيقوم غيرهم بما عليهم القيام به. وجاء صعود أوباما المفاجئ لينعش أساطير تقدم تفسيرا بسيطا جاهزا لواقع بالغ التعقيد تماما كما تعفي من أي اجابات.

 يحتاج المسحوقون إلى قراءة ظاهرة أوباما، ليعلموا أن ما تحقق داخل أميركا نفسها  لم يأت من رحم الانتظار. وإنما بجهد متواصل وتضحيات كبيرة. ولولا حركة الحقوق المدنية لما تمكن أسود البشرة من أن يكون ناخبا فكيف يكون مرشحا لمنصب الرئيس. يكفى أن نتذكر أن مارتن لوثر كنج صاحب الحلم العظيم قضى مقتولا على يد القوى اليمينية في المجتمع الأميركي. وهو القائل "من يجعل الإصلاح مستحيلا يجعل الثورة ضرورية". في أميركا كان الإصلاح ممكنا ولكن ليس مجانيا. على المسحوقين أن يدفعوا كلفة الإصلاح بدلا من انتظار باراك أوباما وتخدير النفس بأساطير لا علاقة لها بالواقع.

[email protected]