نهاية أم بداية السياسة في الشرق الأوسط

بانتظار ما سوف تؤول إليه نتائج الاجتماع الدولي المزمع عقده خلال الأيام القليلة القادمة في الولايات المتحدة حول التسوية بين الفلسطينيين والاسرائيليين،تبدو حالة الاستقطاب في حجم التوقعات غير موضوعية بين الرهان المفرط بالتفاؤل على تدشين محطة تاريخية تؤسس للتسوية النهائية،وبين القراءة الأكثر واقعية أحيانا،والأكثر تشاؤما أحيانا أخرى التي تشير الى نهاية السياسة في الشرق الأوسط،لا يوجد احتمالات أخرى،عمليا توقفت السياسة في هذا الجزء من العالم منذ حرب تموز بشكل واضح،بعد ان تم إعادة إنتاج المبادئ التقليدية للترقب والانتظار والحركة الأحادية لكل طرف بدون ان تنتج مخرجات سياسية واضحة.

اضافة اعلان

خلال السنوات الثلاث الماضية تغير الشرق الأوسط التقليدي بقوة السلاح والنار ولم يتغير بفعل السياسة والدبلوماسية أو حتى الايدولوجيا،وتذهب هذه الخلاصة إلى ان التغيرات التي جرت بقدر عدم امتلاكها أسسا واضحة لرؤية المستقبل الذي يزداد غموضاً،وبقدر ما فيها من خلط بين القوة والايدولوجيا والعنف فقد جعلت دول المنطقة وأنظمتها الحاكمة والنخب السياسية وربما نخبها الفكرية،وكما يبدو في سلوكها خلال الشهور الماضية،أكثر حرصاً على السياسة وإعادة تعريف المصالح ولكن بصيغة براغماتية،وأحيانا نفعية وضيقة الأفق وبائسة، ما يذكرنا بقصة النهاية أو الأفول التي طالما رددها المفكر العربي الكبير ابن خلدون بقوله:"ربما يحدث عند آخر الدولة قوة توهم أن الهرم قد ارتفع عنها،ويومض ذبالها إيماضة الخمود،كما يقع في الذبال المشتعل،فإنه عند مقاربة انطفائه يومض إيماضة توهم بأنها اشتعال وهي انطفاء".

أحد تفسيرات إحياء السياسة في الشرق الأوسط في هذا الوقت غير بعيدة عن المنطق الخلدوني الذي يفسر هذا الانشغال الكبير بتحريك السياسية مثلما يحدث للشعلة قبيل الانطفاء.

المقدمات التي تصاغ هذه الأيام تنذر بشتاء سيغسل الغبار عن الكثير من الحقائق التي أخفتها حقبة المشروع الأميركي في العراق بالعودة المنتظرة لحالة من العزلة الاستراتيجية التي ستضفي بضلالها على مجمل التفاعلات في المنطقة،حيث ستحسم الصفقات السياسية القادمة الحراك الدولي في المنطقة وتغلقها في وجه الآخرين لمصلحة تكريس استعراض مشهد الرجل الواحد،شتاء الشرق الأوسط القادم سوف يعقبه خريف طويل تتكرس فيه التفاعلات السياسية في اتجاه واحد صوب واشنطن،الشرق الأوسط القادم لن يعود لتعدد المناخات وستختلط فيه الفصول ولكن بهدوء وبدون فوضى،وبينما تتراجع دراما الفوضى وتنحصر لغة الايدولوجيا وتزداد التناقضات البينية،ويزداد انكشاف السياسة البراغماتية في حدودها الضيقة ويكشف عدم جدواها. 

يحق لأية نخبة حاكمة في الشرق الأوسط القديم أو الجديد ان تعقد الصفقات السياسية والاستراتيجية،وان تحقق مصالح بلادها وتكفل مستقبل شعوبها كيفما تشاء،ويحق لها ان تمارس براغماتية سياسية ما دامت تخدم مصالحها على المدى البعيد،وحتى ان بحت حناجر قادتها بالشتائم والوعيد والتهديد للولايات المتحدة ومن لف لفها؛المشكلة في ان أنظمة ونخبا سياسية ستكتشف عما قريب انها تركت تلعب وحيدة،وان ظاهرة الاستقطاب الإقليمي آنية وتقترب نهايتها ومرتبطة بمصالح محددة،المشكلة الأخرى ان مبادئ إدارة الصراع غير قابلة في هذه المنطقة للتبدل أو التغير بوجود مسارات للتسوية أو بعدم وجودها في ضوء وجود هجوم منظم للتسوية،وحتى في حال الدخول الفعلي في الحرب والصراع العسكري.

التغير الوحيد الذي نال الأنظمة العربية يكمن في فهمها للمصالح الوطنية،ولقوانين إدارة الصراع وممارسة التغيير والتكيف مع عالم لا يعرف الثبات والسكون،وهو حالة الذعر التي جعلت القطعان الهاربة كل على رأسه يتصرف ببراغماتية يومية ضيقة الأفق لا تحسب أكثر من حساب يومها؛لذا تكاد ان تنتهي ممارسة السياسة في الشرق الأوسط ويغلق المسرح قبل ان يكتشفها العرب.

[email protected]