نهضة الفكر في الغرب وازمة الفكر عند العرب

 زياد العناني

   عمان-يرصد الكاتب وهدان عويس في كتابه "نهضة الفكر في الغرب وازمة الفكر عند العرب" الصادر عن دار ازمنة للنشر والتوزيع مراحل تطور الفكر الغربي منذ القرن السادس عشر الميلادي وحتى عصرنا الحاضر الذي شمل حقول الفلسفة والاجتماع والاقتصاد والعلوم وكان اساساً للنهضة الحديثة في الغرب والتقدم العلمي والتكنولوجي في العالم وكذلك بيان اسباب الازمة التي لازمت الفكر العربي خلال هذه الفترة وكيفية التصدي لها ومعالجتها.

اضافة اعلان

   ويذكر عويس في هذا الصدد اسماء اهم الفلاسفة والعلماء الذين مهدوا لنهضة الغرب وبيان منجزاتهم مع التركيز بشكل موسع على فلاسفة الاقتصاد الذين كان لنظرياتهم وافكارهم الأثر الأكبر في التحويلات الاقتصادية والاجتماعية في العالم.

   ويشير عويس الى ان القرن السادس عشر كان نقطة الانطلاق في هذا الزخم الفكري وكان المحرك لهذا الانطلاق انعتاق اوروبا من القيود الفكرية والاجتماعية التي فرضتها عليها الكنيسة والتي كانت تكبل العقل وتحد من فعاليته لافتاً الى ان الفضل في ذلك كان للحركة التصحيحية التي قام بها رجل الدين الكاثوليكي "مارتن لوثر" الذي تمرد على الكنيسة وفروضها الدينية والاجتماعية الصارمة.

   ويرى عويس بأن نتيجة هذا الانعتاق قد تمثلت في ان الافكار في اوروبا أخذت تتفاعل واخذ العقل وليس الغيبات يأخذ دوره في صياغة اسس وتوجهات المجتمع الغربي وعليه قامت نهضة فكرية ومعرفية تلتها بالضرورة نهضة علمية وصناعية وتحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية مشيراً الى التحولات على المستوى السياسي في بريطانيا وتحديد الحكم الملكي في بريطانيا بإصدار "الماغنا كارنا" وثورة "كرومول" وقيام الثورة الفرنسية وقيام الثورة الاشتراكية.

   ويتساءل عويس اين موقع العالم العربي من هذه التطورات لافتاً الى ان المتتبع لمسار التاريخ يجد ان الانتاج الفكري العربي علمياً كان او اقتصادياً او اجتماعياً توقف بعد القرن الحادي عشر الميلادي- الرابع الهجري. باستثناء ما انتجه بعض المفكرين في المغرب العربي والاندلس كابن خلدون وابن رشد اي في نهاية عصر التدوين وبعد ان سيطر على الدولة العربية الشعوبيون من سلاجقة ومماليك وعثمانيين وادخلوا الامة في عهد من الاستعباد والتخلف واغرقوها في سبات عميق.

   ويشير عويس الى مرحلة ما بعد زوال الحكم الشعوبي في بداية القرن العشرين ودخول المنطقة العربية في مرحلة الاستعمار الغربي والسعي نحو الاستقلال لافتاً الى انها لم تستطع ان تحرر نفسها من الموروث السياسي والاجتماعي السابق ومن التبعية الفكرية للخارج رغم مظاهر الاستقلال الذي حصلت عليه. ويؤكد عويس على ان توقف العقل العربي عن الانتاج مبيناً ان ذلك يعود الى عاملين رئيسين: اولهما: الحكم الفردي الشعوبي الذي سيطر على المنطقة لفترة تقارب الالف سنة وثانيهما: الانغلاق الفكري الناجم عن المفاهيم الدينية البعيدة عن جوهر الدين واهدافه والتي سيطرت على عقول الناس وألهتهم بنصوص جامدة او بفتاوى وفرائض دينية شكلية وتأويلات للنصوص مغرضة.

   ويقترح عويس آلية من اجل الخروج من هذا المأزق تعد بمثابة برنامج نهضوي يشتمل على الدعوة الى ديمقراطية الحكم والمجتمع واحترام الحق الطبيعي للمواطن في حرية الرأي والتعبير والتنظيم واشراكه في صنع القرار وما يتتبع ذلك من تعددية سياسية وتبادل للسلطة.

   وعلى الصعيد الديني يدعو عويس الى فصل الدين عن الدولة واعتبار المبادئ والقيم التي يدعو اليها الدين مرشداً وهادياً للدولة في تشريعاتها وكذلك الدعوة الى قيام ثورة فكرية دينية تنقي الدين مما ألصق به من سوء تأويل وتفسير وان يأتي على رأس المؤسسة الدينية التقليدية رجال دين عقلانيون ومتنورون يركزون دعوتهم ومواعظهم للناس على القيم السامية للدين وعدم إلهائهم بأمور التحليل والتحريم والطقوس الشكلية والفتاوى التي لا تخدم الا مصالح الحكام ورجال الدين المتحالفين معهم وكذلك تغيير المناهج التعليمية الدينية بما يتفق مع هذا الطرح.

   وعلى الصعيد الاجتماعي يدعو عويس الى احترام حق المرأة في المساواة مع الرجل من حيث الحقوق والواجبات ورد الاعتبار الانساني لها وكذلك تربية الطفل على اسس سليمة تبني شخصيته بناء سليماً والتهيئة لتحمل مسؤوليات الحياة في المستقبل. وكذلك على صعيد التربية والتعليم وتغيير فلسفته والاقلاع عن اسلوب الحفظ والتلقين والتحول الى اسلوب تعليم الطالب كيف يفكر ويبحث ويستنتج.

   اما على صعيد الاقتصادي فيقترح عويس برنامجاً اقتصادياً يؤمن التوزيع والعدالة الاجتماعية للمواطنين.