هجمة متصاعدة على فلسطينيي 48

صعدت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة هجمتها على الجماهير الفلسطينية في إسرائيل (فلسطينيي 48)، وعلى شخصياتها السياسية، في مشهد يؤكد الإجماع الصهيوني حول الموقف من الفلسطينيين.

اضافة اعلان

وذريعة هجمة الأيام الأخيرة، التي مما لا شك فيه أنها ستتصاعد في الأيام والأسابيع القادمة، خبر ظهر في وسيلة إعلام محلية عربية، ادعى فيه أن عضو الكنيست الدكتور عزمي بشارة، ينوي الاستقالة من منصبه البرلماني، وأنه يعتزم عدم العودة إلى الوطن لأسباب "غامضة".

إلا أن هذا "الغموض" غامض لأسباب قانونية، لا يمكن الحديث عنه مرحليا، رغم انه منتشر بغزارة في المكالمات الهاتفية بين الإعلاميين والسياسيين، ولهذا قفزت وسائل الإعلام العبرية على "نبأ" الاستقالة لتصفي حساباتها الكثيرة ليس مع بشارة فحسب، بل أيضا مع الكثير من الشخصيات والقوى السياسية وحتى الجماهير الواسعة لفلسطينيي 48.

وليتزامن هذا الأمر مع تسريب تقرير لجهاز المخابرات العامة "الشاباك" ظهر قبل نحو شهر، يعتبر فلسطينيي 48 "خطرا استراتيجيا"، وفيه من التحريض على الفلسطينيين ما يجعلهم يتوقعون أخطر المؤامرات عليهم مستقبلا.

منذ اللحظات الأولى لظهور "النبأ"، تحولت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى محاكمات ميدانية، تحاكم شخص النائب عزمي بشارة، ولكن في المجمل العام هي محاكمة "شعب غير مرغوب فيه في وطنه"، وليبدأ التهديد والوعيد، قبل أن يظهر "الغامض" ويتكشف "الغموض"، وفي هذه المرحلة فإن النائب بشارة نفى كل هذه الأنباء التي تدعي عزمه الاستقالة ومغادرة الوطن.

وفي الآونة الأخيرة تم فتح تحقيق ضد بشارة بسبب زيارته إلى سورية ولبنان سوية مع نائبين من حزبه، ويأتي هذا في إطار حملة أمنية عدائية ضد شخصيات سياسية في أحزاب فلسطينيي 48، ففي السنوات الثماني الأخيرة تم التحقيق مع سبعة أعضاء كنيست عربا بتهم سياسية مختلفة، ومنهم من تم التحقيق معه أكثر من أربع مرات، إضافة إلى سجن قائدين لتنظيمين سياسيين، أحدهما ما يزال يقبع في السجن.

وسائل الإعلام الإسرائيلية ظهرت هذا الأسبوع بإجماع صهيوني وبأشكال مختلفة، مباشرة ومبطنة، إلا أنها في الجوهر تتعامل مع الفلسطينيين كمواطنين من الدرجة الثانية وأقل، يعيشون في إسرائيل كمكرمة من الحركة الصهيونية، وليسوا أصحاب وطن وأرض، وعليهم تقديم الولاء للسلطة الإسرائيلية وسياستها صباح مساء.

في أيام كهذه فإن المكالمات تنهال من كل حدب وصوب من صحافيين في وسائل الإعلام العبرية، في فمهم سؤال واحد ووحيد: "كيف سينعكس هذا على العرب في إسرائيل؟"، رغم أن "هذا" ما يزال مجهولا، ولا نعرف أصلا ما إذا هو موجود أصلا، ولكن لدى المؤسسة الإسرائيلية وبوقها الإعلامي يصبح موجودا ومعروفا.

وهذا السؤال لم يأت من فراغ، وإنما نابع من عقلية التعامل مع فلسطينيي 48 على أنهم "قطيع واحد"، كلهم متهمون حتى تثبت إدانتهم، ولكن هذا نابع بالأساس أيضا من نظرة عنصرية استعلائية، حتى وإن بعضهم يطرح مثل هذا السؤال دون علم بدوافعه، ولكنه هذا البعض منهم نشأ في بيئة لديها نظرة عدائية تجاه الفلسطينيين، وفي أحسن أحوالها نظرة تجاه "الغريب العابر من أرضنا، فإما أن يرضى ويسكت أو يرحل".

في السنوات الأخيرة اتسعت في إسرائيل الدعوات لسحب شرعية وجود العرب في وطنهم، ليبدأ هذا في الحلبة السياسية ذاتها، وسعي أحزاب وشخصيات سياسية إلى إخراج العرب من دائرة التأثير السياسي، وصولا إلى أحزاب بنت نفسها على دعوات الطرد الجماعي، ومن ثم تحول إلى مدٍ في الشارع الإسرائيلي.

ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي جرت قبل عام، بلغت نسبة الأصوات التي حصلت عليها قوائم انتخابية تدعم الطرد الجماعي لفلسطينيي 48 من وطنهم حوالي 26% من الأصوات، واليوم في البرلمان الإسرائيلي هناك ما بين 30 إلى 35 نائبا من اصل 120 نائبا، يعلنون جهارة موافقتهم على طرد العرب "كحل للصراع"، 20 منهم في كتلتين منفصلتين، والباقي موزعون في أحزاب "الليكود" المعارض، و"كديما" الحاكم، و"شاس" و"يهدوت هتوراة" الاصوليتين.

وهذا الأمر لا ينعكس على الساحة السياسية، بل أيضا في الحياة اليومية، فالعربي هو ابن ثقافة متدنية، كلهم متهمون، كلهم يتحملون مسؤولية تصرفات بعضهم، وهذه آراء تتناسب مع جوهر الفكر الصهيوني العنصري.

فمثلا، إذا ارتكب أحد فلسطينيي 48 جرما جنائيا ضد يهودي، كأن نقول: شاب عربي اغتصب شابة يهودية، وهي قضية حدثت أكثر من مرّة، فإن عناوين الصحف تظهر في اليوم التالي ليس لتبرز الجريمة البشعة، وبشاعة الجريمة في هذه الحالة ليس بسبب الفعل بحد ذاته، وإنما لأن من ارتكبها هو عربي، وهناك عدة أمثلة، لا بل وفي الآونة الأخيرة سمعنا عن جرائم اغتصاب على "أساس قومي" انشغلت في ترويجها المؤسستان السياسية والإعلامية.

ولكي لا يبقى الحديث في العموميات، فها هي نتائج استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي، "جيوكراتوغرافيا"، ونُشرت معطياته في الشهر الماضي، آذار (مارس)، وتبين من الاستطلاع أن 56% من اليهود يعتبرون العرب خطرا أمنيا على إسرائيل، إلى جانب الخطر الديمغرافي، وهذا ما يدفع 51% من اليهود يطالبون الحكومة بتشجيع وتحفيز العرب على الهجرة، فيما يطالب 40% من اليهود بفرض تقييدات مدنية وسياسية ضد العرب، مثل حرمانهم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، و"التحفيز" هنا، يعني اتباع أساليب ضغط على العرب، وتضييق مجال المعيشة، من عمل ومصادر رزق وتعليم، لكي لا يرى العرب بدا من الهجرة من وطنهم.

وجاء في الاستطلاع أيضا أن 75% من اليهود يرفضون السكن بجوار عرب، فيما قال 61% من اليهود أنهم يرفضون ان يكون لديهم أصدقاء عرب يزورونهم في بيوتهم، وقال 50% من المستطلعين إنهم يرفضون العمل في أماكن عمل فيها المسؤول عربي، وقال 38% من الذين شملهم الاستطلاع إن الثقافة العربية أقل بكثير من مستوى "الثقافة الإسرائيلية"، وطالب 55% بالفصل بين اليهود والعرب في المرافق العامة والتنزه.

وهذه معطيات ليست مفاجئة، وليست الأولى من نوعها، والجديد فيها أنها تؤكد استفحال هذه الأفكار العنصرية، لتشجع مفكرين صهاينة أكثر على الحديث عن "الخطأ التاريخي للصهيونية وإسرائيل، بسماحها ببقاء 153 ألف فلسطيني في العام 1948 في المناطق التي أقيمت عليها إسرائيل".

ما يمكن قوله حتى الآن، هو أننا مقبلون على هجمة بذروة جديدة، ستتصاعد في الأيام والأسابيع القادمة، وسنشهد تحركات سياسية على مستوى البرلمان الإسرائيلي تهدف إلى تسريع سن مجموعة من القوانين التي تحد من حرية حركة السياسيين الفلسطينيين، قادة الأحزاب الناشطة بين فلسطينيي 48، "فالمناسبة" مواتية للمزيد من القوانين العنصرية والقهر القومي.

في مركز هذه الهجمة الشرسة سيكون النائب بشارة، ولكن المستهدف الأساسي من هذه الحملة هو شرعية وجود فلسطينيي 48 في وطنهم، وحقهم في الحياة الطبيعية مدافعين عن حقوقهم المدنية والقومية.

صحافي وكاتب سياسي- الناصرة

[email protected]