"هدية موسيقية" لأوركسترا عمان السمفوني: أداء متميز لمقطوعات استثنائية

"هدية موسيقية" لأوركسترا عمان السمفوني: أداء متميز لمقطوعات استثنائية
"هدية موسيقية" لأوركسترا عمان السمفوني: أداء متميز لمقطوعات استثنائية

غيداء حمودة

عمان- "هدية موسيقية" كان عنوان الأمسية التي قدمتها أوركسترا عمان السمفوني بقيادة القائد الدائم محمد عثمان صديق مساء الأربعاء الماضي على مسرح مركز الحسين الثقافي، لتتحف جمهورها بمقطوعتين هذه المرة، الأولى تعتبر أحد أهم المؤلفات الموسيقية المكتوبة لآلة الكلارينيت، والثانية تأتي كمثال على عبقرية تشايكوفسكي وإبداعه.

اضافة اعلان

برنامج الأمسية ضم مقطوعة من الحقبة الكلاسيكية في الموسيقى الغربية، وهي الكونشيرتو الرقم 1 في سلم "فا" الصغير للكلارينيت والأوركسترا كارل ماريا فون ويبر ( 1786 - 1826) والتي شارك في تقديمها عازف الكلارينيت المنفرد دانييل رادو، اضافة الى السمفونية رقم 5 في سلم "مي" الصغير، المصنف 64، لبيتر تشايكوفسكي ( 1840-1893) والتي تنتمي الى الحقبة الرومانتيكية.

وبالرغم من صعوبة المقطوعتين، أبدعت الأوركسترا بقيادة صديق الذي بذل جهدا كبيرا في قيادته للاوركسترا، التي قدمت أيضا أفضل ما عندها لتحقق نجاحا كبيرا من خلال أدائها في هذه الأمسية.

والبداية كانت مع الكونشيرتو الذي أبدع رادو والذي يعمل في المعهد الوطني للموسيقى (مؤسسة الملك الحسين) مدرساً وعازفاً رئيسياً لآلة الكلارينيت، وهو عضو في أوركسترا عمان السمفوني وعمان سمفونيتا وخماسي عمان لآلات النفخ الخشبية، في أدائه وأظهر تمكنه من الآلة، وطاف في نطاقها الصوتي الكامل بمهارة وحرفية عالية، أما الأوركسترا فقد واكبت من جهتها أداء رادو ليكمل بعضهم الآخر في الكونشيرتو الذي يتكون من ثلاث حركات تتنقل سرعتها من السريع إلى البطيء ثم إلى السريع.

وكان كارل ماريا فون ويبر قد كتب الكونشيرتو رقم 1 عندما التقى لأول مرة بعازف الكلارينيت هاينريش جوزيف بيمان، الذي كان يعتبره النقاد واحداً من أعظم عازفي هذه الآلة في مطلع القرن التاسع عشر، ما حدا بالمؤلف إلى الشروع بحماسة كبيرة في كتابة جميع أشكال المؤلفات الموسيقية لهذا العازف المتميز.

ويتضح من الكونشيرتو رقم 1 أن المؤلف أدرك مهارات هذا العازف الفذ فكتب المدونة بطريقة تجعل العازف يطوف في النطاق الكامل لهذه الآلة؛ حيث تكون المقاطع الهادئة محاطة بمقاطع دافقة ووثابة ومتقاطعة تتميز جميعاً بدرجة عالية من التألق والبهاء.

ومع السمفونية رقم 5 في سلم "مي" الصغير لتشايكوفسكي والتي لا تقدمها الأوركسترات في العالم إلا بعدما تكون قد وصلت الى مستوى عال من الأداء، تتابعت أوركسترا عمان السمفوني أمسيتها لتثبت تطور أدائها ومهارات عازفيها خاصة وأن هذه المقطوعة مبنية على "التعبير" بشكل كبير وتتطلب مهارات عالية من العازفين، فضلا عن انها تتضمن توزيعا لجميع الآلات الاوركسترالية. وبالرغم من طول المقطوعة التي تمتد الى حوالي خسمين دقيقة أبدعت الأوركسترا وأبدع صديق في توجيهها ليفاجئ الجمهور الذي تنوع في فئاته العمرية وكان جمهورا "سميع" بالأداء ضمن التلوين التلوين الأوركسترالي الفذ الذي وضعه تشايكوفسكي.

وكان بيتر تشايكوفسكي قدم السمفونية رقم 5 في سلم "مي" الصغير، المصنف 64 العام 1888 وعزفت لأول مرة بتاريخ في تشرين الثاني (نوفمبر) من تلك السنة نفسها في قاعة النبلاء بمدينة سانت بيترسبورغ بقيادة تشايكوفسكي نفسه.

واستوحى تشايكوفسكي اللحن المحوري لهذه السمفونية من مقطع في أوبرا "حياة قيصر" للمؤلف الموسيقي الروسي ميخائيل غلنكا، وعلى وجه الخصوص المقطع الذي يستخدم الكلمات "حذار من التحول إلى الحزن والأسى". ويتميز اللحن المحوري بخاصية جنائزية في الحركة الأولى، إلا أنه يتحول تدريجياً إلى مارش يعبر عن الابتهاج بالنصر يطغى على الحركة الأخيرة.

وحسب ما جاء في مذكرات تشايكوفسكي نفسه بتاريخ 15 نيسان (أبريل) 1888، فإن المؤلف قد انجذب إلى هذا اللحن المحوري بعينه؛ لأن موضوع السمفونية الخامسة هو "العناية الإلهية". وكان ذلك قبل حوالي شهر واحد من البدء بتأليف السمفونية. ويصف المؤلف مقدمة السمفونية على أنها "استسلام كامل يسبق، وهو ما يشبه تماماً القضاء والقدر المبهمين".

ويبدو أن الصفة المتغيرة للشعار خلال السمفونية يوحي بأن تشايكوفسكي يعبر عن التفاؤل بخصوص العناية الإلهية، وهو توجه استشرافي لن يتكرر في سمفونيته السادسة.

وتشبه السمفونية الخامسة سابقتها السمفونية رقم 4 في أنها دائرية ذات لحن محوري متكرر، إلا أنها تختلف عنها في أن هذا اللحن المحوري يسمع في الحركات الأربع، وهي: ميزة كان تشايكوفسكي قد استخدمها لأول مرة في سيمفونية مانفريد، التي كان قد انتهى من تأليفها قبل إنجاز السمفونية الخامسة بأقل من سنتين.

وفي ختام الأمسية التي استمتع بها الجمهور كثيرا وصفق طويلا للاوركسترا وصديق، قدمت الأوركسترا مقطوعة اضافية Anchor خفيفة وهي Comedian Gallop لتودع الجمهور الذي يلتقيها عادة في ثالث أربعاء من كل شهر.

من الجدير بالذكر أن محمد عثمان صديق الحائز على الجائزة الكبرى في المسابقة السادسة للأغنية العربية في القاهرة عن قيامه بتوزيع أغنية أردنية، والجائزة الأولى عن أغنية من ألحانه شاركت في مهرجان الأغنية الأردنية الثاني سنة 2002، كان قد بدأ دراسة البيانو في السادسة من عمره، وحصل بعد إنهائه على شهادة دبلوم البيانو من مدرسة الموسيقى والباليه في بغداد على منحة للدراسة في أكاديمية جينسيس في موسكو بروسيا، وهناك أنهى درجة الماجستير في البيانو والقيادة.

عُيّن العام 1991 قائداً للأوركسترا السمفونية الوطنية العراقية، وحاز في الفترة نفسها على الجائزة الأولى في مسابقة التأليف الثانية في بغداد. وانضم صديق العام 1994 إلى هيئة التدريس في المعهد الوطني للموسيقى الأردني متولياً تدريس البيانو ومواد عملية في الفرعين التحضيري والعالي، وذلك إلى جانب قيادة أوركسترا المعهد. ويشغل حالياً وظيفة المدير المساعد للشؤون الأكاديمية، ولمحمد عثمان صديق مؤلفات موسيقية عُزفت في العراق والأردن وسورية ولبنان ومصر والبحرين والكويت والجزائر والولايات المتحدة وايطاليا وكوريا الجنوبية وبريطانيا وألمانيا وتركيا وفرنسا.

[email protected]