هذا هو الحال

بكل ما أوتيت من قوة، تسعى الحكومة لبث رسائل إيجابية تقول فيها للناس إن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، وهذا مهم وضروري، أقله كي تشيع قليلا من الأمل والتفاؤل، ولا ندري إن كانت ستنجح في مسعاها هذا لتغيير المزاج العام المضروب.اضافة اعلان
في ترويجها للإيجابية، تستخدم الحكومة أرقام النمو البالغة 2.2 %، وهي وإن كانت معقولة لكنها لا تكفي، كما تتكئ على الزيادة في حجم تحويلات العاملين في الخارج، وهو المؤشر، على إيجابيته وضرورته كأحد عوامل حماية الاستقرار النقدي، إلا أن تحسنه لا يرتبط بالسياسات الرسمية، بل بتطلعات المغتربين وخططهم لإنفاق أموالهم، كما أنه، من الناحية الأخرى، انعكاس لتكاليف معيشة من يعيلونهم في الأردن، أو رد فعل على أحوال الإقليم.
المؤشر الثالث الذي تركز عليه الحكومة هو التحسن الملحوظ في عوائد قطاع السياحة، وهذا منجز يقدّر، إذ شهدت أرقام القطاع تزايدا مطّردا منذ أكثر من عام، ما يعطي دلالات إيجابية تقودنا إلى استنتاج أن القطاع يسير بالاتجاه الصحيح.
بإمكاننا تفهم جميع المساعي الحكومية، ونؤكد أن كل محاولات استعراض منجزها هو أمر مشروع أيضا، بيد أن المشكل الحقيقي يكمن في أن العاديين من الناس والرأي العام عموما، لا يلمسون ما تقوله، ولم يخرج بعد من دائرة فقدان الأمل.
غير ذلك، لا تملك الحكومة الكثير لتقوله، فالصمت سيد الموقف عند الخوض في معدلات البطالة التي قفزت إلى درجات كبيرة وخطيرة، وتحديدا عند الشباب، وتلوذ بالصمت عند الاقتراب من ملف الفقر الذي لا يقل حساسية عن قضية البطالة، كما لا تجد ما يسعفها من كلام حين ترغب بتوجيه الخطاب للأردنيين حول مستوى معيشتهم والنمو في مداخيلهم، إذ تراجع المستوى المعيشي بشكل ملحوظ، كما ثبتت المداخيل قياسا على أكثر السناريوهات تفاؤلا.
الصمت الحكومي يطبق أكثر عندما يتم التأشير إلى أرقام المديونية، فتتبعثر الكلمات، ويتحول الحديث نحو تغير جوهري في هيكلة الدين وإدارته، وهي من أبرز القضايا التي تشغل الناس لإدراكهم أخطارها. وبالتأكيد أن الحديث عن ضبط النفقات سطحي، ولم يحفر بعد في العمق، كما الهدر في إدارة المال العام، إذ ما تزال في الذاكرة تلك القنبلة التي فجرها وزير مالية سابق معترفا أن الهدر في الإنفاق العام يزيد على 20 % من إجمالي النفقات.
من الملفات التي تبتعد الحكومة، أي حكومة، عنها هي التكاليف الثقيلة لأي برنامج إصلاح مالي يتم بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، مع كل ما يحمله الوجدان الأردني من شعور سلبي تجاه المؤسسة الأممية بسبب كل القرارات الصعبة التي تفرضها عليه وتضر بعيشه ومعيشته، إذ ما نزال ننتظر مزيدا من "الإصلاحات" التي تنهك جيوب المواطنين، فالمطلوب دفع 450 مليون دينار العام المقبل بعد مثيلتها التي حصلتها الحكومة خلال العام الحالي.
من حق الحكومة أن تبيع منجزاتها للناس، ومن حقها أيضا أن تستعرض نجاحاتها، لكن ليس من حق أحد بيع الوهم للأردنيين، والتغني بمنجزات لم يلمس الناس أثرها بعد، لأن لذلك معنى واحدا فقط، هو توسيع الهوة بين الناس والحكومات.