هروب عائلي من الأردن إلى تركيا

تتعامى الحكومة الحالية، وشقيقاتها السابقات، عن ظاهرة خروج المال من الأردن الى تركيا تحديدا ودول أخرى، وقد بات لافتا الظاهرة الجديدة التي يمكن تسميتها بالخروج العائلي، أي رب الاسرة وعائلته ورأسماله معا الى تركيا، بعد ان كنا نشهد خروج المال فقط، وبقاء العائلات في الأردن.اضافة اعلان
لا يفعلون شيئا لمنع هذه الظاهرة، وتوسعها، باعتبار ان هذه حرية شخصية، برغم انها تؤشر على ما هو أخطر، أي حالة النفور النفسي والاقتصادي على حد سواء، ونحن البلد الوحيد للأسف الشديد، الذي نفتخر بتسرب مئات الالاف من الكفاءات الى خارج الأردن، برغم انها خسارة كارثية، وبخروج المال باعتبار ان ذلك دليل على حيوية الأردنيين، وقدرتهم على تجديد أنفسهم، واستسقاء الفرص الجديدة، في كل مكان في هذا العالم.
المناخ الاقتصادي السلبي، وكثرة الضرائب، وكلف الإنتاج، والكساد، وتجبر المؤجرين وعدم رحمتهم بسبب قانون المالكين والمستأجرين، الذي سيؤدي بعد سنين الى تحول العقارات الى مساكن لأشباح عمان، وإربد، والزرقاء، وغيرها من مدن، كلها عوامل تؤدي الى انجماد اقتصادي.
ليس أدل عليه، من هروب المال الى خارج الأردن، بل وقيام كل صاحب رأسمال صغير او متوسط او كبير، بشراء شقة في تركيا، بحثا عن جنسية، او حتى اخراج عائلته لتعيش على الأقل في مناخ حيوي، لا كآبة فيه، ولا ضغطا عصبيا، ولا تراشق بالعيون الغاضبة، ولا لاذع الكلام، وهو مناخ يمزج بين الشرق والغرب، وبين هوية العالم العربي، والعالم العصري الذي يتطلع الى الامام.
القصة هنا ليست الترويج لتركيا، لكن تركيا باتت الحل الاسهل، بسبب بساطة الإجراءات، وعدم وجود تعقيدات في تأشيرات السياحة التي يستعملها الأردنيون لاستطلاع تركيا القريبة، قبل الانتقال، وفي الوقت ذاته لا يمكن ان نتعامى عن أرقام الراغبين بالهجرة الى الولايات المتحدة، وأستراليا، ودول أوروبية، لكننا نعرف ان تعقيدات الهجرة الى هذه الدول، كثيرة، فيبحث الناس، عن حلول أسهل.
الحياة في تركيا، تجعلك قريبا من المنطقة، أيضا، فلا تعد مهاجرا مثل أولئك الذين يحتاجون يومين للوصول الى مغتربهم الأسترالي مثلا، مع الادراك ان هناك من انتقل الى تركيا، وتعرض الى خسائر مالية، او تورط في قضايا مالية، بسبب عدم دراسة البيئة جيدا، او بسبب الاستعجال في ترحيل رأسماله وعائلته.
كل الخطابات الحكومية التي سمعناها خلال السنين الفائتة، بائسة من حيث المستوى، ولا يصدقها أحد، فقد شبعنا من التخدير وجدولة الاحلام، والواضح تماما ان حالة الاستعصاء باتت مزمنة، فلماذا يأتي المستثمر الأجنبي اذا كان ابن البلد يفر بعائلته وبما تبقى من مال لديه، خوفا من ان يتبدد كل ما معه تحت وطأة هذا المشهد الصعب، وهم يختارون تركيا، على الرغم من ادراكهم أيضا ان تركيا مهددة، وتحت سيناريوهات مختلفة، وقد تنتعش أوضاعها، وقد تنهار، لكنها مرحليا بيئة اكثر لطفا من البيئة النفسية والاقتصادية، ها هنا.
الطبقة الخشنة الأكثر عصبية في الأردن، والأكثر توترا، باتت هي الغالبة، لأن اغلب الكفاءات خرجت من الأردن، وأصحاب المال من مستويات مختلفة، يخرجون، وكأن هناك حالة اخلاء في البلد، لصالح غالبية معدمة اقتصاديا، او بلا عمل، متوترة، غاضبة، لا تجد أملا في الحياة، ونحن بهذا المعنى نزعنا كل الطبقات الاجتماعية-الاقتصادية الأقل توترا، والعازلة بين مكونات المجتمع، وسمحنا لهم بالهجرة الاضطرارية، برغم ما يعنيه ذلك من أثر استراتيجي خطير.
الحكومات لدينا، لا تقنع حتى الأردنيين الذين يودعون عشرات المليارات في المصارف الأردنية، لتسييل أموالهم، عبر فتح دكانة، او بناء شقة صغيرة، وهذا يعني ان هناك حالة حذر شديدة، تجبر كل هؤلاء ان يجمدوا أموالهم، فتجتمع علينا الازمة من كل أطرافها.
بالله عليكم قولوا لنا، هل يصدق بعض الرسميين انفسهم حين يقولون لنا ان المستقبل يعد واعدا، وهم اول من يبحث عن فرصة عمل في الخارج قبيل تقاعدهم، استعدادا لمرحلة ما بعد تقاعدهم؟!